للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رِشْوَةٌ.

وَقَدْ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ، وَالْمُرْتَشِيَ» ؛ وَلِأَنَّ التَّعَفُّفَ عَنْ ذَلِكَ أَصْوَبُ لِعِرْضِهِ، وَأَقْوَمُ لِهَيْبَتِهِ.

وَمِنْ آدَابِهِ تَقْلِيلُ الْعَلَائِقِ، رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ سِنَّوْرٌ، وَكَانَ يَأْخُذُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ قَصَّابٍ شَيْئًا لِغِذَائِهِ فَرَأَى عَلَى الْقَصَّابِ مُنْكَرًا فَدَخَلَ الدَّارَ، وَأَخْرَجَ السِّنَّوْرَ ثُمَّ جَاءَ، وَاحْتَسَبَ عَلَى الْقَصَّابِ فَقَالَ الْقَصَّابُ: لَا أُعْطِيك بَعْدَ الْيَوْمِ لِلسِّنَّوْرِ شَيْئًا فَقَالَ الشَّيْخُ: مَا احْتَسَبْت عَلَيْك إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ السِّنَّوْرِ، وَقَطْعِ الطَّمَعِ مِنْك، وَيُلْزِمُ غِلْمَانَهُ، وَأَعْوَانَهُ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا تَتَطَرَّقُ التُّهَمُ إلَى الْمُحْتَسِبِ مِنْ غِلْمَانِهِ، وَأَعْوَانِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَخَذَ رِشْوَةً أَوْ قَبِلَ هَدِيَّةً صَرَفَهُ عَنْهُ لِيَنْفِيَ عَنْهُ الظُّنُونَ، وَتَتَخَلَّى عَنْهُ الشُّبُهَاتُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَزْيَدُ لِتَوْقِيرِهِ، وَأَتْقَى لِلْمَطْعَنِ فِي دِينِهِ.

[فَصْلٌ عَلَى الْمُحْتَسَب أَنْ يَكُونَ رَفِيقًا لِين الْقَوْل عِنْد الْأَمْر وَالنَّهْي]

(فَصَلِّ) وَلْيَكُنْ شِيمَته الرِّفْق، ولين الْقَوْل، وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ، وَسُهُولَةُ الْأَخْلَاقِ عِنْدَ أَمْرِهِ النَّاسَ، وَنَهْيِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ، وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩] وَلِأَنَّ الْإِغْلَاظَ فِي الزَّجْرِ رُبَّمَا أَغْرَى بِالْمَعْصِيَةِ، وَالتَّعْنِيفُ بِالْمَوْعِظَةِ يُنَفِّرُ الْقُلُوبَ.

حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ فَأَمَرَهُ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهَاهُ عَنْ مُنْكِرٍ، وَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: يَا هَذَا إنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك لِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي فَقَالَ لِمُوسَى، وَهَارُونَ {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤] ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَنَالُ بِالرِّفْقِ مَا لَا يَنَالُ بِالتَّعْنِيفِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ كُلَّ رَفِيقٍ يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى التَّعْنِيفِ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <   >  >>