للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما أحمد بن عمارة فكان أبوه طحانا من أهل المدائن، أتى البصرة فاتخذ بها ضياعا فكثر ماله.

أخبرنا أبو أحمد عن الصولى عن احمد بن محمد بن اسحاق عن محمد بن على كاتب على بن صالح الثعلبى قال: جلس أحمد بن عمارة للمظالم أيام وزارته، فتقدم اليه رجل فقال: ان كاتب عجيف وجه غلمانه فنهبوا منزلى، وأخذوا منه قيمة ثلاثين ألف دينار، فأنكر كاتب عجيف ذلك، وقال: من أين كان لك هذا المال؟ قال: أنى أقيم البينة على صحة ما أقول، فقال أحمد: لعمرى ان هذا مال جليل، ولكل شىء دليل، فمن أبوك حتى نستدل على صحة قولك؟ قال: كان أبى طحانا من أهل المذار، انتقل الى البصرة، فاتخذ بها ضياعا، ففتح الله عليه، وعلى من بعده، حتى ملكت هذا المال، وأكثر منه، فتغامز أهل المجلس، فقال:

ما علينا من أبيك هات بينتك، فقال الرجل: نعم، كان عمى زياتا كثير المال، ولا ولد له فمات، فورثته، فبلغ الخبر المعتصم، فضحك وأمر أن ينصف من كاتب عجيف، وتحدث الناس بما كان من أمر الرجل، وعجبوا من جدله وفطنته.

وكان عبد الملك الزيات يلوم ابنه محمدا على شغله بالادب وتركه للتجارة، فقال له يوما: ما أرى ما أنت فيه ينفعك، فقال: لتعلمن أنه ينفعنى، وخرج الى الحسن بن سهل، فمدحه بقصيدة أولها:

كأنّها حين تناءى خطوها ... أخنس موشىّ الشّوى يرعى القلل «١»

فأعطاه عشرة آلاف درهم فقال له أبوه: لا ألومك بعدها على شغلك بالادب.

وأخذ عليه فى هذا البيت مأخذان: أحدهما قوله: كأنها حين تناءى خطوها، فابتدأ بمضمر ووصف شيئا لم يذكره، والآخر قوله: أخنس موشى

<<  <   >  >>