للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثا: عبد الله بن المقفع ١:

كاتب عربي -فارسي الأصل- يعد ثمرة من ثمرات الثقافة الإسلامية، ونتاج الحضارة العربية، ويعتبر من خيرة الكتاب الذين عرفوا بعمق الفكرة ورشاقة الأسلوب، ورقة العبارة، عاش في الدولتين: الأموية والعباسية، وترجم مجموعة من الآثار الأدبية من اللغة الفارسية لغة أهله إلى اللغة العربية لغة وطنه، وفي مقدمتها كليلة ودمنة. اهتم في كتاباته بالنقد السياسي، والإصلاح الاجتماعي، وترك آثارا خالدة من الأدب الرفيع، ممثلة في رسائله العديدة، وكتبه الشهيرة مثل: الأدب الصغير، والأدب الكبير، وكليلة ودمنة، وغيرها.

كتاباته:

لابن المقفع رسائل عديدة طويلة وقصيرة، تحمل الحكمة والبلاغة في كل كلمة من كلماتها، وتبلغ القمة من الجمال والإمتاع، منها الرسالة اليتيمة لما ضمت من أحكام سياسية جريئة على الحاكم والرعية، وبها يعتبر قمة من قمم الفكر الإسلامي الذي يضع المقاييس للناس والحكام، ومدى ارتباط كل منهما بالآخر.

ومن أشهر رسائله ما عرف باسم "رسالة الصحابة" التي كتبها للخليفة أبي جعفر المنصور في أصول الحكم، وأسباب بقائه وعلات ميله وانحرافه.

ومن الطريف أن ابن المقفع يضفي على أهل العراق الصفات الطيبة، بعد أن وصفهم الحجاج -والي بني أمية- بأقذع النعوت، يقول:

"إن في أهل العراق يا أمير المؤمنين من الفقه والعفاف والألباب والألسنة شيئا لا يكاد يشك أنه ليس في جميع من سواهم من أهل القبلة مثله ولا مثل نصفه، فلو أراد أمير المؤمنين أن يكتفي بهم في جميع ما يلتمس له أهل هذه الطبقة من الناس، رجونا أن يكون ذلك فيهم موجودا، وقد أزرى بأهل العراق تلك الطبقة أن ولاة العراق فيما مضى كانوا أشرار الولاة، وأن أعوانهم من أهل أمصارهم كذلك، فحمل جميع أهل العراق على ما ظهر من أولئك الفسول٢، وتعلق بذلك أعداؤهم من أهل الشام فنعوه عليهم٣، ثم كانت هذه الدولة، فلم يتعلق من دونكم من الوزراء


١ ولد ابن المقفع حوالي ١٠٦ أو ١٠٧هـ بقرية "جور" المعروفة الآن "بفيروزآباد"، وكان اسمه "روية بن دانويه" ومعناه: المبارك، فلما أسلم تسمى بعبد الله، وتكنى بأبي محمد. وقتل بين عامي ١٤٢، ١٤٥هـ.
٢ الفسول: جمع فسل بالفتح الذي لا مروءة له.
٣ نعوه عليهم: شهروا بهم.

<<  <   >  >>