للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بينما ينبغي ملاحظة موقعه من الإعراب بالنسبة للعوامل التي تطلبه, يقول في قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} : إنما هو كفى الله بالرفع ولكنك لما أدخلت الباء عملت١. وكان يذهب إلى أن "إن" الجازمة تجزم جواب الشرط كما تجزم فعله, وكان يقول: إنها هي أم الباب الخاص بأدوات الجزاء الجازمة؛ لأنها لا تخرج عن بابها, بينما غيرها يفارق الباب مثل "من" فهي تأتي شرطية وتأتي استفهامية مثلا. ومعروف أن جواب الشرط إما أن يكون فعلا، وإذن لا يحتاج إلى رابط يربطه بما قبله، وإما أن يكون جملة اسمية وحينئذ لا بد له من الفاء، ولاحظ أن إذا الفجائية قد تسد مسدها في الربط على شاكلة قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ٢. وعرض سيبويه لما انجزم بالأمر في مثل: "ائتني آتك" وبالنهي في مثل: "لا تفعل يكن خيرا لك" وبالاستفهام في مثل: "ألا تأتيني أحدثْك" وبالتمني في مثل: "ألا ماء أشربْه" وبالعرض في مثل: "ألا تنزل تصب خيرا" ثم نقل عن الخليل أن كل هذه الصيغ فيها معنى إن الشرطية؛ لأن القائل إذا قال: "ائتني آتك" فإن معنى كلامه إن يكن منك إتيان آتك، وهكذا الصيغ التالية. وجعل من ذلك قوله عز وجل: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} , فلما انقضت الآية قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ} بجزم المضارع٣. وهو صاحب فكرة تأويل المضارع المنصوب بأن مضمرة أو ظاهرة وإعرابه حسب مواقعه من العوامل، فمثل: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} تقديره: وأمرنا للإسلام٤.

والعوامل عنده تعمل ظاهرة ومحذوفة، وكثيرا ما يحذف المبتدأ العامل في الخبر؛ طلبا للإيجاز. ويكثر سيبويه من توجيه الخليل لبعض المرفوعات على أن مبتدأها محذوف، مثل: مررت به المسكين أي: هو المسكين، ومثل إنه -المسكين- أحمق، أي: هو المسكين أيضا٥. ومواضع حذف الفعل الناصب


١ الكتاب ١/ ٤٨.
٢ الكتاب ١/ ٤٣٥.
٣ الكتاب ١/ ٤٤٩.
٤ المغني لابن هشام ص٢٣٨.
٥ الكتاب ١/ ٢٥٥.

<<  <   >  >>