للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الأول: تعريف الروح]

وقف البشر حائرين في معرفة هذه الروح أو التعريف بها؛ فمنهم من أدلى بدلوه في التعريف بها, ومنهم من أمسك مطلقًا عن الخوض فيها, مرجعًا الأمر إلى الله تعالى وحده؛ حيث إنه سبحانه لم يرد أن يبين للناس شيئًا عنها أكثر من أنها من أمره -عز وجل, فكيف نعرفها أو نعرف شيئًا عنها, فأراحوا واستراحوا, ومنهم من ذهب يعرِّفها بتعريفات اجتهادية كثيرة كلها تحتاج إلى أدلة لإثباتها, وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- أقوالًا كثيرة في التعريف بها, إلّا أنه رجَّح قولًا واحدًا وانتصر له, وأورد أدلة كثيرة على تصويبه, وهذا التعريف هو أحد الأقوال التي أوردها الرازي أيضًا في ذكره لاختلاف الناس في مفهوم الروح فقال: "والسادس أنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس, وهو جنس نوراني علويّ خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد, وسريان الدهن في الزيتون, والنار في الفحم, فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف, بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكًا لهذه الأعضاء, وأفادها من الآثار من الحسِّ والحركة والإرادية, وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها, وخرجت عن قبول تلك الآثار, فارقت الروح البدن وانفصلت إلى عالم الأرواح"، قال ابن القيم: "وهذا القول هو الصواب في المسألة, وهو الذي لا يصح غيره, وكل الأقوال سواه باطلة, وعليه دلّ الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة"١، ثم أورد الأدلة على تقويته بلغت أكثر من مائة دليل.


١ الروح ص٢٤٢.

<<  <   >  >>