للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثالث عشر: الإسلام والقومية]

ذكرنا في البداية أن الإسلام لا يقف في طريق الشخص إذا انتسب لقومه أو لوطنه أو أهله, بل إنه يشجِّع هذا المسلك ويحبِّذه؛ إذ كان على أساس التواصل وصلة الرحم, بل أخبر الله تعالى أنَّ انقسام الناس إلى شعوب وقبائل هو أمر منه -عز وجل, وأن الحكمة من وراء هذا بيَّنَها -عز وجل- بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ١.

وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن ينتسب الشخص إلى غير أبيه, أو ينتمي إلى غير مواليه٢, ولا يمنع كذلك أن ينتسب الإنسان إلى الوطن الذي يعيش فيه, ولا لوم عليه إذا أحبَّه لا على أساس الفخر الجاهلي, وإنما لأنه وطنه أواه, فإن تلك الأمور كلها لا حرج فيها, وواقع تعيشه البشرية كلها, ولا يمنعها الإسلام إلّا في حالة واحدة, وهي الحالة التي يصبح ولاء الناس ومعاداتهم ومحبته واجتماعهم وافتراقهم كله قائم على دعوى القومية والتعصب لها, وتقديمها على الأخوة الإسلامية؛ لأن هذا الوضع منحرف؛ لأنه يصبح تشريعًا جديدًا لا تستند فيه مشروعية إلّا على الحكم الوضعي البشري لا إلى حكم الله تعالى, وما أجمل أن يترك الإنسان كل علاقة خارجة عن الإسلام محاكيًا


١ سورة الحجرات، الآية: ١٣.
٢ أخرجه البخاري ج٢، ص٦٦١، ومسلم ج٢، ص١١٤٧.

<<  <   >  >>