للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤- الاختلاف في الدراسة والشهادة:

وظهر في البلدان الإسلامية دراسة دينية ودراسة حديثة، وبينهما من الفوارق بونًا شاسعًا، فوارق في كل شيء, تشمل أماكن الدراسة, وهيئة الطلاب, ووسائلهم للتعلم, وهيئة المدرسين, وتقبُّل شهادات كل من

الفريقين، وكان كل شيء يوحي بامتهان الدراسة الدينية وأهلها في كل مظهر من مظاهرها، بينما يوحي مظهر المدارس الحديثة العلمانية بالزهوّ والترفُّع وكامل التقدير، ولم يكن هذا الصنيع عفويًّا، بل كان وراءه خطط مدروسة ونيات مبيَّتة، فطلاب الدراسة الحديثة كل شيء مهيئ لهم في أجمل صورة، وأبواب الابتعاث إلى أوربا لإكمال الدراسة أمرٌ ضروري ومرغب فيه، واستساغ الكثير تذوّق كل ما هو غربي حتى في الحركات، واتَّجهوا إلى المحاكاة والتقليد بفعل تأثُّرهم, وحبك الخطط لتوجيه الناس إلى هذا الصنيع, والمبالغات في مدحه والدعاية له, مما جعل المتأثرين ينظرون إلى الماضي بعين الاحتقار بفعل تلك المدراس التي جاء بها الغرب في كل ناحية من بلدان المسلمين لتعليم قوانينهم، تلك المدراس التي كان ينظر إليها على أنها هي المستقبل الزاهر لخريجيها، بل جعلوا الفرق واضحًا حتى في رواتب المدرسين؛ إذ كان راتب المدرس الديني زهيدًا ضئيلًا، بينما راتب المدرس الحديث يفوقه بالضعف أو أكثر، فكان مدرس الدين يبني -على تواضع ما عنده- والمدرس الحديث يهدم بقوة، ويدعو ويشجع المواد الحديثة التي تصرِّح أحيانًا وتلمح أخرى بذم الإسلام وتعاليمه, وتقديم العلمانية الأوربية وتشريعاتها، وتحقق قول الشاعر:

متى يبلغُ البنيان تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!

وكانت الدول التي استعمرت البلدان الإسلامية كبريطانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا, وغيرها من الدول الغربية التي تسابقت إلى استعمار الأقطار الإسلامية, كلها كانت تلقي بثقلها لمحاربة الإسلام والقضاء على

<<  <   >  >>