للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أٍسرار النظام اللغوي

[نظام الألفاظ بالمعاني]

...

[أسرار النظام اللغوي]

لا نريد بمعنى النظام هذه الأحكام الظاهرة في اللغة كالإعراب، والتصريف والقواعد اللسانية، من نحو عدم الجمع بين ساكنين أو متحركين متضادين؛ فهذا كله ليس إلا أسبابًا للنظام الذي نشرحه في هذا الفصل، وهو يشبه النظام النفسي من حيث تعلقه بالحكمة التي تضبط عواطف النفس وخطراتها؛ وقد رأينا ذلك في اللغة على ثلاثة ضروب:

١- نظام الألفاظ بالمعاني.

٢- نظام المعاني بالألفاظ.

٣- النظام المطلق، وهو نظام القرينة أو الحس النفسي.

[نظام الألفاظ بالمعاني]

والمراد به مساوقة الصيغ اللفظية للمعاني الموضوعة لها؛ وقد ألممنا بأشياء منه في باب الاشتقاق، وذكرنا ثمة أن لابن جني صاحب "الخصائص" كلامًا في هذا المعنى؛ وابن جني هذا هو أول من ناهض هذا البحث اتقانًا؛ وتخلى بأمره افتنانًا؛ وإنما كان العلماء قبله يستروحون إلى أشياء منه عند الضرورة يتعللون به، وأكثرهم لزومًا لذلك شيخه أبو علي الفارسي١؛ ولهذا وضع ابن جني كتابه "الخصائص" لبيان ما أودعته هذه اللغة من خصائص الحكمة، ونيطت به من علائم الإتقان والصنعة؛ أقام فيه القول على أوائل أصول هذا الكلام، وكيف بدئ وإلام نمي؛ وقال في المعنى الذي عقدنا له هذا الفصل: إنه غور من العربية لا ينتصف منه ولا يكاد يحاط به، وأكثر كلام العرب عليه وإن كان غفلًا مسهوا عنه.

ومما حاوله في كتابه مما يتعلق بغرضنا سبعة أمور:

١- إثبات أن العرب تقارب حروب الألفاظ متى تقاربت معانيها، كقوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: ٨٣] أي: تزعجهم وتقلقهم، فهذا في معنى "تهزهم هزا" والهمزة أخت الهاء، فكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة؛ لأنها أقوى من الهاء، كما أن المعنى نفسه أعظم في النفوس من الهز؛ لأنك قد تهز ما لا حراك له، كالجذع ونحوه؛ أي: فيبقى الهز المقرون بالإزعاج خاصا بذي الحياة؛ لأنه متعلق بالشعور؛ وذلك ما أفادته الهمزة وحدها.

٢- إن هذه المقاربة بين الحروف تقع فيها المراعاة حتى في الحروف البعيدة التي لا تتشابه إلا بالتأويل، كقوله إن تركيب "ع ل م" في العلامة والعَلَم، وقالوا مع ذلك: بيضة غرماء، وقطيع أغرم،


١ توفي الفارسي سنة ٣٧٧هـ وكانوا يقولون ما بين سيبويه وأبي علي أفضل منه وتوفي ابن جني ٣٩٢هـ وهو عالم هذه الأمة في التصريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>