للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذاهبه في الشعر]

ليس فيما وقع إلينا من شعر الجاهلية ما ينطق بأن صاحبه شاعر قبيلة بمجموع هذا المعنى، غير شعر طرفة؛ فهو إذا فخر رأيته يتكلم بلسان ملك قد ضمن طاعة قومه واستمسك بميثاقهم؛ وما [كان] أحق امرئ القيس بمثل هذا الفخر فيقيم به جهة من شعره قد تركها وهي تريد أن تنقض.

وقد وصف طرفة النوق وصفًا شعريا، ولكنه قصر في صفة الخيل وجاءت في كلمه متفرقات من الحكم والأمثال، وهي أبدع ما في شعره، ثم هو قد ضرب في الهجاء بالسهم الصائب ورجم فيه بالشهاب الثاقب، ولكنه قليل المديح نازل الطبقة فيه؛ ولم يؤثر له من ذلك إلا ما يرد على قومه، وهو مدحه لقتادة بن سلمة الحنفي حين أصاب قومه سنة فأتوه فبذل لهم؛ وثم أبيات قالوا إنه مدح فيها سعد بن مالك حين أطرد فصار في غير قومه وقد ذكرهم فيها بقوله:

وليس امرؤ أفنى الشباب مجاورًا ... سوى حيه إلا كآخر هالك

ولعل مديحها منحول إذ يقول فيه:

رأيت "سعودًا" من شعوب كثيرة ... فلم ترعيني مثل سعد بن مالك

وليس مثل هذا مما يقوله طرفة:

ويمتاز هذا الرجل بالمبالغة والإغراق، فكأنه ينظر إلى دقائق الوصف بعين من البلور ... وذلك كقوله في وصف الناقة:

كأن جناحي مضرحي تكنفا ... حفافيه شكا في العسيب بمسرد١

فطورًا به خلف الزميل وتارة ... على حشف كالشن ذاو مجدد٢

لها فخذان عولي النحض فيهما ... كأنهما بابا منيف ممرد٣

كأن كناسي ضالة يكنفانها ... وأطر قسي تحت صلب مؤيد٤


١ المضرحي: النسر، وتكنفا: أحاط. وحفافاه: جانباه. والعسيب: عظم الذنب. والمسرد: [المخصف] الإشفى.
٢ الزميل: الرديف، والحشف: الضرع الذي لا لبن فيه. والشن: القربة الخلقة. والذاوي: اليابس. ومجدد: أي: لا لين فيه ولا لبن.
٣ عولي: رفع بعضه على بعض. والنحض: اللحم. والمنيف: المشرف، والممرد: المملس.
٤ الكناس بيت الظباء. والضال: السدر البري. وأطر القسي: عطفها وانحناؤها. والمؤيد: الموثق، من الأيد، أي: القوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>