للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- القسم الأول: الذي يوجد في الجملة الواحدة من الكلام

وهو يرد حقيقة، ومجازًا.

أما الحقيقة فمثل قولهم: رأيته بعيني، وقبضته بيدي، ووطئته بقدمي، وذقته بفمي، وكل هذا يظن الظان أنه زيادة لا حاجة إليها، ويقول: إن الرؤية لا تكون إلا بالعين، والقبض لا يكون إلا باليد، والوطء لا يكون إلا بالقدم، والذوق لا يكون إلا بالفم، وليس الأمر كذلك، بل هذا يقال في كل شيء يعظم مناله، ويعز الوصول إليه، فيؤكد الأمر فيه على هذا الوجه دلالة على نيله والحصول عليه، كقول أبي عبادة البحتري١:

تأمل من خلال السجف وانظر ... بعينك ما شربت ومن سقاني٢

تجد شمس الضحى تدنو بشمس ... إلي من الرحيق الخسرواني

ولما كان الحضور في هذا المجلس مما يعز وجوده، وكان الساقي فيه على هذه الصفة من الحسن، قال: انظر بعينك.

وعلى هذا ورد قوله تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} ٣.

فإن هذا القول لما كان فيه افتراء عظم الله تعالى على قائله:

ألا ترى إلى قوله تعالى في قصة الإفك: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} ٤.

فصرح في هذه الآية بما أشرت إليه من تعظيم الأمر المقول.


١ ديوان البحتري ١/ ٩٢ من قصيد له في مدح المعتز بالله، ومطلعها:
رويدك إن شانك غير شاني ... وقصرك لست طاعة من نهاني
٢ السجف -بفتح السين وكسرها- الستر، والسجف الستران المقرونان بينهما فرجة، أو كل باب ستر بسترتين مقرونين فكل شق سجف، وفي الديوان:
تأمل من خلال الشك فانظر
٣ سورة الأحزاب: الآية ٤.
٤ سورة النور: الآية ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>