للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نرَ قدما أشبه بقدم إبراهيم الذي في المقام منه، فسُر كثيرا، وأتى بولده أبي طالب وقال له: اسمع ما يقول هؤلاء، فسمع منهم، واحتفظ بما سمع إقرارا بضرورة الاهتمام بمحمد صلى الله عليه وسلم.

وجاء عبد المطلب لحاضنته "أم أيمن" وكان اسمها "بركة" وقال لها: يا بركة، لا تغفلي عن ابني هذا، فإني وجدته من غلمان قريبا من السدرة، وإن أهل الكتاب يرون أن له شأنا.

وقد عمد عبد المطلب أن ينشئ حفيده نشأة الرجال الكبار، يقول ابن إسحاق: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بن هاشم، وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك، حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له"، يقول ابن إسحاق: "فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر، يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول لهم عبد المطلب حين رأى ذلك منهم: دعوا ابني، فوالله إن له لشأنا، ثم يجلسه معه على الفراش، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع"١.

ويبدو أن هذه الواقعة تكررت مع غير أبناء عبد المطلب، فلقد روى ابن جريج قال: "كنا مع عطاء، فقال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة، وأحسنهم وجها، ما رآه أحد قط إلا أحبه، وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره، ولا يجلس عليه معه أحد، وكان الأنداد من قريش -حرب بن أمية فمن دونه- يجلسون حوله دون المفرش، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام لم يبلغ، فجلس على المفرش، فجبذه رجل فبكى، فقال عبد المطلب وذلك بعدما كف بصره: ما لابني يبكي؟

قالوا له: إنه أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه.


١ الروض الأنف ج١ ص١٩٥.

<<  <   >  >>