للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد خلعوا أنفسهم من مجتمعهم الجاهلي، وكوَّنوا جماعة الدعوة الأولى، التي تميزت بخصائصها وصفاتها؛ إذ كان إيمانها يعني الخلوص التام من كل شرك، والالتزام المطلق لأمر الله تعالى، فلا مهادنة في عقيدة، ولا ضعف في القيام بواجب مع تحمل أي ضغط، والصبر على أي أذى، وكان دخول أحدهم في الإسلام يعني البراءة التامة من الشرك وأهله، والبعد عن موالاة غير المؤمنين ولو كان من أقرب الناس إليه.

وكان المسلم يحب أخاه المسلم، لا يحبه إلا الله، ويلتزم بكل لوازم هذه المحبة من النصرة والنصيحة والمودة وحسن الأخلاق.

إن الإيمان كان يعني عند هؤلاء هجرا كليا عن كافة صور الجاهلية، وانتقال المؤمن إلى منهج الإسلام بكماله وتمامه، وذلك هو الإيمان في الحقيقة.

وقد قام هؤلاء المسلمون بواجبهم إزاء الدعوة إلى الله تعالى؛ إذ حملوا الإسلام إلى زوجاتهم وأبنائهم وأهليهم، وإلى كل من يعاشرونهم، وله معهم ثقة، ولهم به معرفة، وبواسطة هؤلاء الصحابة دخل الإسلام بيوتهم، وأسلم عدد من الزوجات والأبناء.

وساعد هؤلاء الصحابة في تبليغ الإسلام حسن الاتباع، وسلامة التطبيق، والتخلق بأخلاق الإسلام؛ لأن ذلك يعد في ذاته دعوة عملية.

وساعدهم كذلك أنهم تيقنوا أن الإيمان يعني العلم والعمل معا، فلم يقصروا في تعلم، ولم يتهاونوا في تطبيق، وكان إيمانهم قائما على اليقين التام، والاقتناع الصادق، فلما تعرضوا للابتلاء لم يتأثروا، ولم يضعفوا.

لقد كانوا قوة انتصروا لدينهم وارتفعوا به إلى مصاف العلا، فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس، واستحقوا أن يضعهم الرسول صلى الله عليه وسلم فوق الصحابة أجمعين، فعندما اختلف أحدهم وهو عبد الرحمن بن عوف مع خالد بن الوليد بعد إسلامه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا خالد، دع عنك أصحابي، فوالله لو كان لك أُحُد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته" ١.


١ السيرة النبوية لابن هشام ج٤ ص٧٤.

<<  <   >  >>