للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أتى المسجد، وهو حافل من قريش، فلما رأوه عامدا لجماعتهم أنكروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء، فأتوهم ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم أبو طالب فقال: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها، فأتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوعا إليهم فوضعوها بينهم، وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا، وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم، فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد، جعلتموه خطرا لهلكة قومكم وعشيرتكم.

فقال أبو طالب: إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف، وإن ابن أخي أخبرني -ولم يكذبني- أن الله بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم، ومحا كل اسم هو له فيها، وترك فيها غدركم، وقطيعتكم إيانا، وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث الذي قال ابن أخي كما قال فأفيقوا، فو الله لا نسلمه أبدا، حتى يموت من عندنا آخرنا، وإن كان الذي قال باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتم.

قالوا: قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر خبرها، فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا: والله إن هذا سحر من صاحبكم فارتكسوا، وعادوا بشر ما كانوا عليه من كفرهم، والشدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام على رهطه بما تعاهدوا عليه"١.

ثم إنه قام في نقض الصحيفة نفر من قريش، ولم يبل فيها أحد أحسن من بلاء وهشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك بن عامر بن لؤي، وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هشام بنت عبد مناف لأمه، وكان هشام لبني هاشم واصلا، وكان ذا شرف في قومه فكان فيما بلغني يأتي بالبعير، وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلا قد أوقره طعاما، حتى إذا بلغ به فم الشعب خلع خطامه في رأسه ثم ضرب على جنبيه فدخل الشعب عليهم، ثم يأتي به قد أوقره برا فيفعل به مثل ذلك.


١ البداية والنهاية ج٣ ص٨٤، ٨٥، وتذكر رواية أخرى: أن الأرضة أكلت كل ما في الصحيفة ما عدا اسم الله تعالى.

<<  <   >  >>