للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بابُ بيانِ مُهِمَّاتٍ تتعلّقُ بحدِّ الغِيبَة:

١٧٢٧- قد ذكرنا في الباب السابق [رقم: ١٧١٦] أن الغيبة: ذكرك الإِنسان بما يكرهُ، سواءٌ ذكرتهُ بلفظك، أو فِي كِتابِكَ، أوْ رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك. وضابطهُ: كلّ ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرّمة، ومن ذلك المحاكاةُ، بأن يمشي متعارجاً أو مُطَأْطِئاً أو على غير ذلك من الهيئات، مريداً حكاية هيئة من يَتَنَقَّصُهُ بذلك، فكلُّ ذلك حرامٌ بلا خلافٍ.

ومن ذلك إذا ذَكرَ مُصنفُ كتابٍ شخصاً بعينه في كتابه قائلاً: قال فلانُ كذا، مريدًا تنقصهُ والشناعةَ عليهِ، فهو حرامٌ، فإن أرادَ بيانَ غلطهِ لئلا يُقلَّدَ، أو بيانَ ضعفه في العلم لئلا يُغترّ به ويُقبل قولهُ، فهذا ليس غيبة بل نصيحة واجبةٌ يثابُ عليها إذا أرادَ ذلك، وكذا إذا قال المصنف أو غيره: قال قوم أو جماعةٌ كذا وكذا، وهذا غلطٌ أو خطأ أو جهالةٌ وغفلةٌ ونحو ذلك، فليس غيبة، إنما الغيبة ذكر إنسانٌ١ بعينه أو جماعةٍ معينين.

ومن الغيبة المحرّمة قولك: فعل كذا بعضُ الناس، أو بعض الفقهاء، أو بعضُ من يَدّعي العلم، أو بعضُ المفتين، أو بعضُ مَن ينسبُ إلى الصلاحِ أو يَدّعي الزهدَ، أو بعضُ مَن مرّ بنا اليوم، أو بعضَ مَن رأيناهُ، أو نحو ذلك؛ إذا كان المخاطب يفهمه بعينه لحصول التفهيم.

ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين، فإنهم يُعرضون بالغيبة تعريضاً يفهم به كما يفهم بالصريح، فيُقال لأحدهم: كيف حال فلانٍ؟ فيقولُ: الله يُصلحنا، الله يغفر لنا، الله يُصلحه، نسأل الله العافية، نحمدُ الله الذي لم يبتلينا بالدخول على الظلمة، نعوذ بالله من الشرّ، الله يُعافينا من قلةِ الحياء، الله يتوبُ علينا؛


١ في نسخة: "الإنسان".

<<  <   >  >>