للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة ١٣٥: الندبة]

يتضح معناها مما يأتي:

١- قيل لأعرابي: "مات عثمان بن عفان اليوم ... " فصرخ: "واعثمان، واعثمان. أثابك الله وأرضاك؛ فلقد كنت عامر القلب بالإيمان، شديد الحرص على دينك، بارا بالفقراء، مقنعا بالحياء ... ".

٢- وقيل لعمر -رضي الله عنه: أصابنا جدب شديد ... فصاح: واعمراه، واعمراه.

٣- وقيل لفتى يتأوه: ما بك؟ فأمسك رأسه، وقال: وارأسي. وقيل الآخر: مالك تضع يدك على كبدك؟ فردد قول الشاعر:

فواكبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناء

٤- وسئل غني افتقر: أين أعوانك وخدامك والمحيطون بك؟ فقال في أسف وحرارة: وافقراه.

ففي الأمثلة السابقة أساليب نوع من النداء يسمى: "الندبة"؛ ومنه: واعثمان، واعمراه، وارأسي، واكبدا، وافقراه ... ويقولون في تعريفها: "إنها نداء موجه للمتفجع عليه، أو للمتوجع منه"١. يريدون بالمتفجع عليه: من أصابته المنية، فحملت الناس على إظهار الحزن، وقلة الصبر؛ سواء أكانت الفجيعة حقيقة كالتي في المثال الأول: "واعثمان"، أم حكمية كالتي في المثال الثاني: "واعمراه" فإن عمر حين قال ذلك كان حيا، ولكنه بمنزلة من أصابه الموت؛ لشدة الألم، والهول الذي حل به٢.


١ سبقت إشارة لهذا في رقم ٢ من هامش ص٢.
٢ ومما يصلح للفجيعة الحكمية النداء المجازي في مثل قول المعري:
فواعجبا، كم يدعي الفضل ناقص ... وواأسفا، كم يظهر النقص فاضل
فهو يندب العجب والأسف، وكأن كلا منهما قد مات في وقت اشتداد الحاجة إليه. ويشترط في هذه الصورة أن تكون الندبة للعجب نفسه، وكذا للأسف من غير إضافتها لياء المتكلم المنقلبة ألفا، وإلا كانت هذه الألف ليست للندبة -كما سيجيء في رقم ١ من ص٦٤ من رقم ١ من ص٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>