للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب: النكرة والمعرفة

[المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة]

أ- فى الحديقة رجلٌ - تكلم طالبٌ - قرأت كتابًا - مصر يخترقها نهرٌ.

ب- أنا فى الحديقة - تكلم محمودٌ - هذا كتابٌ - مصر يخترقها نهر النيل.

لكلمة: "رجل" -في التركيب الأول، وأشباهها- معنى يدركه العقل سريعًا، ويفهم المراد منه بمجرد سماعها، أو رؤيتها مكتوبة، لكن هذا المعنى العقلي المحض والمدلول الذهني المجرد عن مُعَين؛ ولا محدَّد في العالمَ الواقعي، عالم المحسوسات والمشاهد، وهو الذي يسمونه: العالمَ الخارجي عن العقل والذهن.

والسبب: أن ذلك المعنى الذهني المجرد؛ أي: "المعنى العقلي المحض" إنما ينطبق في عالم الحس والواقع على فرد واحد،. ولكنه فرد له نظائر كثيرة تشابهه في حقيقته١،


١ يراد بالحقيقة هنا ما أشرنا إليه في صفحتي ٢٤، ٢٨٨: "مجموعة الصفات الذاتية، "أي: الأساسية الأصلية" التي يتكون منها الشيء، وتميز جنسًا من جنس، ونوعًا من نوع: ولولاها لتشابهت أفراد كل، واختلطت". فحقيقة الإنسان هي، مجموعة الصفات الذاتية الخاصة به، والتي تميز نوعه من نوع آخر، كالطائر مثلًا- وتجعله نوعًا مستقلًا منفصلًا، وتلك الصفات الذاتية في الإنسان هي: الحيوانية والنطق معًا. وحقيقة الحيوان هي: صفاته الذاتية الخاصة به، والتي تفصل جنسه عن جنس آخر، كالنبات، وتفرق بينهما وهكذا ... وتلك الصفات الذاتية في الحيوان هي: الحياة التي مصدرها الروح والحركة الاختيارية ... ومن مجموع تلك الصفات الذاتية للشيء تنشأ حقيقته، وتتكون صورته في الذهن أيضًا. لكن كيف تنشأ تلك الصورة الذهنية المحضة؟
يجب عن هذا علماء المنطق بقولهم الذي أشرنا إليه في صفحتي٢٤، ٢٨٨.
إن الإنسان حين يرى النخلة -مثلًا- أول مرة في حياته، يستخدم حواسه في كشف حقيقتها، ويسأل عنها غيره، حتى يعرف أنها شجرة، وأنها تسمى: النخلة، ويراها مرات بعد ذلك فيقوى إدراكه لها. ثم يرى شجرة "برتقال" على النحو السالف، وشجرة "ليمون" وشجرة "يوسفي" وشجرات أخرى كثيرة، فينتهي عقله إلى معرفة صفات ذاتية مشتركة بين تلك الأشجار المختلفة النوع، ويرسم العقل من مجموع تلك الصفات صورة خيالية للشجرة -أي شجرة كانت- بحيث تنطبق تلك الصورة الخيالية على كل شجرة مهما كان نوعها. فهو قد اهتدى أولًا إلى أن الصفات الذاتية المشتركة بين الشجرات الكثيرة هي: الجذور، والجذوع، والفروع، والثمر، والورق ... ثم أنشأ من مجموعها صورة خاصة لما يسمى: "شجرة" فحين يسمع المرء كلمة: "شجرة" يسرع عقله فيدرك المراد منها، وهو تلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>