للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمير المؤمنين كالأمّ الشفيقة، البرّة الرفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربّته طفلا، تسهر لسهره، وتسكن لسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح لعافيته، وتغتمّ بشكاته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد لله ويقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيّده، واستحفظه ماله وعياله، فبدّد المال، وشرّد العيال، فأفقر أهله، وأهلك ماله. واعلم يا أمير المؤمنين أنّ الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأنّ الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتصّ لهم؟ [١]

[مالك وابن طاوس عند المنصور]

«٥٧٣» - قال مالك بن أنس: بعث إليّ أبو جعفر المنصور وإلى ابن طاووس، فدخلنا عليه وهو جالس على فرش قد نضدت، وبين يديه أنطاع قد بسطت، وجلاوزة بأيديهم السيوف يضربون الأعناق، فأومأ إلينا أن اجلسا، فجلسنا وأطرق عنّا طويلا. ثم التفت إلى ابن طاووس فقال له: حدثني عن أبيك؛ قال:

نعم، سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: إنّ أشدّ الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله، قال مالك: فضممت ثيابي مخافة أن يملأني دمه. ثم التفت إليه أبو جعفر فقال:

عظني يا ابن طاووس، قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ)

إلى قوله (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ)


[١] لم ينته كتاب الحسن بل بقيت منه بقية تعدل نصفه تقريبا.

<<  <  ج: ص:  >  >>