للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس إلّا ما أرادوا، ولا يخرج لك عامل إلّا خوّنوه عندك، وبغوه [١] حتى تسقط منزلته؛ فلما انتشر ذلك عنهم وعنك أعظمهم الناس وهابوهم وصانعوهم، وكان أوّل من صانعهم عمّالك بالهدايا والأموال ليقووا بها على ظلم رعيّتك؛ ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيّتك ليتناولوا ظلم من دونهم، فامتلأت بلاد الله بغيا وفسادا، وصار هؤلاء القوم شركاءك، وأنت غافل. فإن جاء متظلّم حيل بينه وبينك، وإن أراد رفع قصّته إليك وجدك قد نهيت عن ذلك، ووقّفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم، فإن جاء ذلك الرجل المتظلّم فبلغ بطانتك خبره، سأل بطانتك [صاحب المظالم] أن لا يرفع مظلمته إليك، فلا يزال المظلوم يختلف إليه ويلوذ به ويشكو ويستغيث و [هو] يدفعه، فإذا جهد وأخرج ثم ظهرت طرح [٢] بين يديك، فيضرب ضربا مبرحا حتى يكون نكالا لغيره، وأنت تنظر فلا تنكر، فما بقاء الإسلام على هذا؟ وقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصين، فقدمتها مرة وقد أصيب ملكهم بسمعه، فبكى يوما فحداه جلساؤه على الصبر فقال: أمّا إنّي لست أبكي للبليّة النازلة، ولكنّي أبكي لمظلوم يصرخ فلا أسمع صوته؛ فأمّا إذ ذهب سمعي [٣] فبصري لم يذهب؛ نادوا في الناس ألّا يلبس ثوبا أحمر إلّا مظلوم. ثم كان يلتفت طرفي النهار هل يرى مظلوما. فهذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله بلغت رأفته بالمشركين هذا المبلغ، وأنت مؤمن بالله ثم من أهل بيت نبيّه صلّى الله عليه وسلم، لا تغلبنّك [٤] رأفتك بالمسلمين على شحّ نفسك. قال: فبكى المنصور ثم قال: ويحك كيف احتيالي لنفسي؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنّ للناس أعلاما يفزعون إليها في دينهم فيرضون بها [٥] في دنياهم، فاجعلهم بطانتك


[١] عيون: ونفوه.
[٢] عيون: صرخ.
[٣] ع: فاما سمعي ذهب.
[٤] ح: لا تغلبك.
[٥] ع: بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>