للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطلق اسم العين مثلا على معان عدة، وما يجري هذا المجرى، فلا ينبغي أن يطلب لجميع أقسامه حدّ واحد، بل يفرد كلّ قسم بالكشف عنه:

فالأول: الوصف الذي به يفارق الإنسان سائر البهائم، وهو الذي به استعدّ لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الفكرية، وهو الذي أراده الحارث المحاسبيّ حيث قال في حدّ العقل: إنه غريزة يتهيّأ بها درك العلوم النظرية. ولم ينصف من أنكر هذا وردّ العقل إلى مجرّد العلوم الضرورية، فإنّ الغافل عن العلوم والنائم يسمّيان عاقلين باعتبار وجود هذه الغريزة مع فقد العلوم، وكما أنّ الحياة غريزة بها يتهيّأ الجسم للحركات الاختيارية والإدراكات الحسيّة، فكذلك العقل غريزة بها يتهيأ بعض الحيوانات للعلوم النظرية، ولو جاز أن يسوّى بين الإنسان والحمار في الغريزة [١] . وقال [٢] : لا فرق إلّا أنّ الله تعالى بحكم إجراء العادة يخلق في الإنسان علوما ليس يخلقها في الحمار والبهائم لجاز أن يسوّى بين الجماد والحمار في الحياة. ويقال لا فرق إلّا أنّ الله يخلق في الحمار حركات مخصوصة بحكم إجراء العادة، فإنه لو قدر الحمار جمادا صمتا لوجب القول بأنّ كلّ حركة تشاهد منه فالله قادر على خلقها فيه على الترتيب المشاهد. وكما وجب أن يقال لم تكن مفارقته للجماد في الحركة إلّا لغريزة اختصّت به عبّر به عنها بالحياة، فكذا [٣] مفارقة الإنسان البهيمة في إدراك العلوم النظرية بغريزة يعبّر عنها بالعقل. وهي كالمرآة التي تفارق غيرها من الأجسام في حكاية الصورة والألوان لصفة اختصّت [٤] بها، وهي الصّقالة؛ وكذلك العين تفارق الجبهة في هيئات وصفات بها استعدّت للرؤية. فنسبة هذه الغريزة إلى العلوم نسبة العين إلى الرؤية، ونسبة القرآن والشرع إلى هذه الغريزة في سياقها إلى انكشاف العلوم لها


[١] م: الغريزية.
[٢] م: ويقال.
[٣] ح: فهكذا.
[٤] ح: اقتضت.

<<  <  ج: ص:  >  >>