للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لئلّا يقع بين المشاورين منافسة تذهب أصالة الرأي وصحة النظر فيه، لأنّ من طباع المشتركين في الأمر التنافس والتغالب والطعن من بعضهم على بعض، وربما أشار أحدهم بالرأي الصواب وسبق إليه فحسده الآخرون وتعقّبوه بالاعتراض والتأويل والتهجين، وكدّروه وأفسدوه، وشبّهوا الباطل بالحقّ ليصيّروا حقّه باطلا. وفي اجتماعهم أيضا على المشورة تعريض السرّ للإذاعة [١] والإشاعة، فإن كان ذلك لم يستطع الملك المقابلة على كشف سرّه لأنه لا يعلم أيّهم جنى فيه، فإن عاقب الكلّ عاقب بريئا بذنب مجرم، وإن عفا عنهم ألحق الجاني بمن لا ذنب له.

٩٠٢- وقالت الفرس: إنما يراد الاجتماع والكثرة والتناصر في الأمور التي تحتاج إلى القوة، أو ما يخشى فيه الخيانة، فأما الآراء والأمور الغامضة فإنّ الاجتماع يفسدها، ويولّد فيها التضاغن والتنافس، وربما انقبض أحدهم عن تقسيم الآراء وذكر ما يعترض فيها لما يتخوّفه من منافسة ومشاحنة. وإنما يكون الرأي في الجفلى إذا خلصت النيّات وصفت، فحينئذ تقع المجاراة فيه والتعارض حتى يصفو ويخلص ويتّضح ولا يبقى فيه مراء ولا شكّ، وذلك في الأمر الذي يعمّ ضرره ونفعه للجماعة مثل القبيلة أو العصبة إذا حزبهم أمر يخافون من تضييع الحزم فيه بآفة [٢] تعمّهم، فإنهم حينئذ يدعون التحاسد والتنافس، ويقبلون الصواب ممّن جاء به منهم لأنّ صلاح ذلك يعمّهم والخطأ فيه يشملهم.

«٩٠٣» - وقال ابن المقفع: اعلم أنّ المستشار ليس بكفيل، وأنّ الرأي ليس بمضمون، بل الرأي كلّه غرر لأنّ أمور الدنيا ليس شيء منها بثقة، وليس شيء من أمرها يدركه الحازم إلّا وقد يدركه العاجز؛ بل ربما أعيا الحزمة وأمكن


[١] ح: للاضافة.
[٢] ح: بانفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>