للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمره بدراسة سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآثاره، وتعهّد أحاديثه وأخباره، متأدبا بما حضّ الناس عليه، منتهجا ما أهاب بهم إليه، منتهيا إلى حكمه ووصاياه، متقيدا بخلائقه وسجاياه، فانه صلّى الله عليه وسلم الذي يدعو إلى الهدى، ولا ينطق عن الهوى، فمن ائتمّ لأوامره غنم، ومن ارتدع من زواجره سلم. وقد قرن الله طاعته بطاعته، وجعل العمل بقوله كالعمل بكتابه، فقال عزّ وجلّ: (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)

(الحشر: ٧) .

وأمره بمجالسة [١] أهل الدين [والعلم] ومدارسة أهل الفقه والفهم، ومشاورتهم في ما يقرّره ويمضيه، والأخذ من آرائهم في ما ينيره ويسديه، فان الشّورى نتاج [٢] العقول، والمباحثة رائد الصّواب، واستظهار المرء على رأيه من عزم الأمور، واستنارته بعقل أخيه من حزم التدبير؛ فقد أمر الله تعالى بالاستشارة أكمل الخلق لبابة وأولى بالاصابة، فقال لرسوله الكريم في كتابه الحكيم: (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)

(آل عمران: ١٥٩) .

وأمره بفتح الباب، ورفع الحجاب، والبروز للخصوم، وإيصالهم إليه على العموم، وأن ينظر بين المتحاكمين بالسويّة، ويعدل فيهم عند القضيّة، ويعطيهم من نفسه أقساطا متساوية [٣] ، ولا يفضّل خصما على صاحبه [٤] في لحظ ولا لفظ، ولا يقوّيه عليه بقول ولا فعل، إذ كان جل اسمه قد جعل هذا الحكم سرّ [٥] الحقّ وميزان القسط، وسبيل العدل في القبض والبسط، وسوّى بين الدنيّ والشريف، وأخذ به من القويّ للضعيف، ولم يجعل فيه مزية لغني على فقير ولا لكبير على


[١] م: أن يجالس.
[٢] المختار: لقاح.
[٣] المختار: متكافئة، وينزلهم من مجلسه منازل متساوية.
[٤] س: خصم.
[٥] المختار: سنن.

<<  <  ج: ص:  >  >>