للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البالعة، وأسأله الصلاة على رسوله المبعوث بالاسلام، والآمر بافشاء السلام، وصلات الأرحام، وبذل الطعام، صلّى الله عليه وعلى آله وشرّف وكرّم.

أما بعد: فاني رأيت أهل هذه الصناعة قد قلّوا، ومحّصوا حتى ذلّوا، فلم يبق لهم ذكر إلا خمل، ولا نجم إلّا أفل، ولا علم إلا فقد، ولا نهم إلا أتخم واستشهد، فصار لا يوجد منهم في البلد العظيم، والإقليم بعد الاقليم، أحد مقيم بحقوقها، ومستقلّ بأعباء علومها، ويعرف ما يعترضها من العلل [١] ، ويخبر ما فيها من المكر والحيل، وكيف التوصّل إلى الولائم المشهودة، والهجوم على الموائد المنصوبة. وإنما قصار الواحد منهم أن يأنس ببعض كرماء دهرنا بواسطة الاتّفاق، وحسبك ضيق المذاق والأخلاق، فيحضر طبقه إما مستأذنا في الوصول، أو متسببا في الحصول [٢] . فاذا جلس شمّر عن ساعده تنظّفا، ورفع أذيال ثوبه تظرّفا، وأظهر أن الطعام بأنملته، لا يلتصق بحافّة من حافات شفته، مقتصرا من آلة حرفته وأداة صناعته على تجريد اللحم، وتجويد اللّقم، حتى إذا أكل المختار الطيّب، وتناول المقدار المستقرب [٣] ، زعم الانتهاء، وادّعى الشّبع والاكتفاء، وجعل ما يستمدّه من بعد على وجه التملّح والتعجيب، وطريق التنادر والتقريب. وعساه لا يبلغ في الاستزادة والاكثار، أقصى مدى تلك السادة الأبرار. وهذا أيدكم الله الذي أبطل صناعتكم وعفّى آثارها، وأفسد نظامها وأطفأ أنوارها. فصار الناشىء فيها غير عارف بقوانينها، ولا واجد بصيرا بأفانينها، فهو يخبط العشواء [٤] منقبضا تارة ومنبسطا، ويخلط ما جاء صوابا مرّة وغلطا، لا يعرف فضل المستكره على المختار، ولا ميزة [٥] الهاجم على


[١] م: العالم.
[٢] م: الى المحصول.
[٣] م: المتقرب.
[٤] م: عشواء.
[٥] س: مزية.

<<  <  ج: ص:  >  >>