للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أحسن وتسيء، ولأن تعفو في حال قدرتك أجمل من أن تنتقم مني. فقال ابن أبي دواد: والله ما علمتك إلا كثير تزويق اللسان، وقد جعلت بيانك أمام قلبك، واصطنعت فيه النّفاق. يا غلام، صر به إلى الحمام وأمط عنه الأذى.

فأخذ الحديد عنه، وأدخل الحمام، وحمل إليه تخت ثياب وطويلة وخفّ، فلبس ذاك، وانكفأ إليه، فصدّره في مجلسه، وأقبل عليه بوجهه، وقال: هات حديثك يا أبا عثمان. فقال: من أقرب ذاك أنك فككتني من الاسار، وعرّضتني لليسار، وأدخلتني في شكرك من باب الاضطرار، واستأنفت لي حياة كنت يئست منها، وصرفت عني شماتة كنت التبست بها، فرحمك الله بي كما رحمني بك، وأمتعك بنعمتك التي أعارك.

[عبد الملك يوبخ أهل المدينة]

«٣٢١» - قدم عبد الملك بن مروان حاجّا سنة خمس وسبعين، وذلك بعد ما اجتمع الناس عليه بعامين. فجلس على المنبر وشتم أهل المدينة ووبّخهم، ثم قال: إنّي والله يا أهل المدينة قد بلوتكم فوجدتكم تنفسون القليل [١] ، وتحسدون على الكثير، وما وجدت لكم مثلا إلّا ما قال مخنثكم وأخوكم الأحوص:

[من الطويل]

وكم نزلت بي من خطوب ملمّة ... صبرت عليها ثم لم أتخشّع

فأدبر عنّي شرّها لم أبل به ... ولم أدعكم في كربها المتطلّع

فقام إليه نوفل بن مساحق فقال: يا أمير المؤمنين، أقررنا بالذنب وطلبنا المعذرة، فعد بحلمك فذلك ما يشبهنا منك وما يشبهك منّا، فقد قال من ذكرت بعد بيتيه الأوّلين:


[١] هامش ب: تنافسون على القليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>