للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تزكية لنفسي ولكن أقوله تعزية لأمّي لتسلو عني. قالت له: والله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا بعد أن تقدمتني، فإنّ في نفسي منك حوجاء حتى أنظر إلى ما يصير أمرك. ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة وبرّه بأمّه. اللهمّ إني قد سلمت فيه لأمرك، ورضيت منك بقضائك، فأثبني في عبد الله ثواب الشاكرين. فودّعها فوجدت مسّ الدّرع تحت ثوبه. فقالت: ما هذا فعل من يريد ما تريد. فقال: إنما لبسته لأشدّ منك.

قالت: فإنه لا يشدّ منّي. وقال لها فيما خاطبها به: إني ما أخاف القتل وإنما أخاف المثلة، فقالت: يا بنيّ إنّ الشاة لا تبالي بالسّلخ بعد الموت.

وكانت تقف على خشبته وهو مصلوب فتقول: لقد قتلوك صوّاما قوّاما ظمآن الهواجر، ومن قتل على باطل فقد قتلت على حقّ؛ وما ينزل [١] من عينها قطرة.

ووقفت عليه بعد مدة من صلبه فقالت: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟!

[أحاديث وأشعار في الصبر]

«٧٥٦» - ومن عظيم صبر النساء وعجيبه ما كان من أمر أمّ سليم امرأة أبي طلحة الأنصاريّ: مرض ابنها منه فمات، فسجّته في المخدع ثم قامت فهيأت لأبي طلحة إفطاره، كما كانت تهيىء له كل ليلة، فدخل أبو طلحة وقال لها:

كيف الصبيّ؟ قالت: بأحسن حال بحمد الله، ثم قامت فقربت إلى أبي طلحة إفطاره، ثم قامت إلى ما تقوم إليه النساء، فأصاب أبو طلحة من أهله، فلما كان في السحر قالت: يا أبا طلحة ألم تر آل فلان استعاروا عارية فلما طلبت منهم شقّ عليهم، فقال: ما أنصفوا، قالت: فإنّ ابنك كان عارية من الله وإنّ الله قد قبضه


[١] م: نزل.

<<  <  ج: ص:  >  >>