للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسد يفسد ما بينه وبين الناس، وليفرّق بين الحسد والمنافسة فإنهما يشتبهان على من لا يعقل، وأن يخلو من اللجاج والمحك، فإن ذلك يضرّ بالأفعال إذا وقع فيها اشتراك، وأن لا يكون بذّاخا ولا متكبرا فإن البذخ من دلائل سقوط النفس، والكبر من دواعي المقت، وأن لا يكون حريصا فإن الحرص من ضيق النّفس وشدة الطيش والبعد عن الصبر، وينبغي أن لا يكون فدما وخما ولا ثقيل الروح، فإنها صفة لا تليق بمن يلاقي الملوك وأبدا تكون سببا للمقت من غير جرم. وبالجملة فالفضائل والأخلاق المحمودة كثيرة، وأولى الناس بطلب غاياتها الملوك كما هم الغاية، ثم أتباعهم، ثم سائر الرعية. وينبغي «١» لمن يصحب السلطان أن يأخذ لعمله من جميع شغله: فيأخذ من طعامه وشرابه ونومه وحديثه ولهوه ونسائه، لا كما يفعل الأغمار الجهّال بخدمة السلطان فإن أحدهم كلّما ازداد عملا نقص من ساعات نصبه وعمله فزادها في ساعات دعته وشهوته وعبثه.

[٨٥٥]- قالوا:

(١) ولتكن حاجتك في الولاية إلى ثلاث خصال: رضى ربك، ورضى سلطانك، ورضى صالح من تلي عليه، ولا عليك أن تلهى «٢» عن المال والذّكر فسيأتيك منهما ما يكفي ويطيب، فاجعل هذه الخصال بمكان ما لا بدّ منه، واجعل المال والذكر بمكان ما أنت واجد منه بدا، ولا تحدثنّ لك صحبة السلطان والاستئناس به غفلة ولا تهاونا.


[٨٥٥] هذا النصّ مأخوذ من الأدب الكبير لابن المقفع، وابن حمدون ينقل غير مراع للترتيب المتسلسل، ولهذا آثرت تقسيم النصّ الى فقرات مرقمة وتخريج كل فقرة (وقارن بالحكمة الخالدة ٢٩٣- ٣٢٧ فقد استوعب هذا الكتاب الأدب الكبير، ولا حاجة هنا إلى إثبات ذلك دائما) .
١ الأدب الكبير: ٤٥ ونثر الدر ٤: ٨٦ (ما عدا قوله: ولا تحدثن ... ولا تهاونا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>