للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غد باكرني رسوله، فجئته، فأدخلني بيتا له نظيفا فيه فرش نظيف، ثم دعا بمائدة عليها خبز سميذ وخلّ وبقل وملح، وعليها جدي حنيذ. فأكلنا منه حتى اكتفينا، ثم أتينا بحلواء فأصبنا منها، ثم دعا بفراخ ودجاج وفراريج مشوية [١] ، فأكلنا منها حتى اكتفينا، وغسلنا أيدينا، وجاءونا بفاكهة وريحان وألوان من الأنبذة، فقال: اختر ما يصلح لك، فاخترت وشربت؛ وصبّ قدحا ثم قال: غنّني في قولي: [من الخفيف]

قال لي أحمد ولم يدر ما بي [٢]

فغنّيته، فشرب قدحا وهو يبكي أحرّ بكاء. ثم قال: غنّني في قولي: [من السريع]

ليس لما ليست له حيلة

فغنيته وهو يبكي وينشج، وشرب قدحا آخر وقال: غنّني، فديتك، في قولي:

[من الطويل]

خليليّ ما لي لا تزال مضرّتي [٣]

فغنّيته إيّاه. وما زال يقترح عليّ كلّ صوت غنّي به في شعره فأغنّيه ويشرب ويبكي حتى صارت العتمة. فقال لي: أحبّ أن تصبر حتى ترى ما أصنع فجلست، فأمر ابنه وغلامه فكسرا كلّ ما بأيدينا من النبيذ وآلاته والملاهي، ثم أمر بإخراج كلّ ما في بيته من النبيذ وآلاته، فأخرج جميعه، فما زال يكسره ويصبّ النبيذ ويبكي حتى لم يبق من ذلك شيء، ثم نزع ثيابه واغتسل ولبس ثيابا بيضا من الصوف، ثم عانقني وبكى، وقال: عليك السّلام يا حبيبي وفرحي من الناس كلّهم سلام الفراق الذي لا لقاء بعده؛


[١] الأغاني: بسمك مشوي، والحلواء بعد السمك.
[٢] عجزه: أتحب الغداة عتبة حقا.
[٣] عجزه: موجودة خير من الصبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>