للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إني استجرتك أن أقدّم في الوغى ... لتطاعن وتنازل وضراب

فهب السيوف رأيتها مشهورة ... فتركتها ومضيت في الهرّاب

ماذا تقول لما يجيء ولا يرى ... من بادرات الموت في النشاب

فقال: دع ذا عنك وستعلم، وبرز رجل من الخوارج يدعو إلى المبارزة فقال: اخرج إليه يا أبا دلامة، فقلت: أنشدك الله أيها الأمير فإنه أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا، فقال: لا بدّ من ذاك، فقلت له: أنا والله جائع ما تنبعث مني جارحة من الجوع فمر لي بشيء آكله ثم أخرج، فأمر لي برغيفين ودجاجة، فأخذت ذلك وبرزت عن الصفّ فلما رآني الشاري أقبل نحوي وعليه فرو، وقد أصابه المطر فابتلّ، وأصابته الشمس فاقفعلّ، وعيناه تقدان، فأسرع إليّ فقلت له: على رسلك، فوقف فقلت:

أتقتل من لا يقاتلك؟ قال: لا، قلت: أفتستحلّ أن تقتل رجلا على دينك؟ قال: لا، قلت: أتستحل ذلك قبل أن تدعو من تقاتله إلى دينك؟

قال: لا، فاذهب عنّي إلى لعنة الله، فقلت: لا أفعل أو تسمع مني، قال: هات، قلت: هل كان بيننا قطّ عداوة أو ترة أو تعرفني بحال تحفظك عليّ، أو تعرف بين أهلي وأهلك وترا؟ قال: لا والله، قلت: ولا أنا والله لك إلا على جميل، وإني لأهواك وأنتحل مذهبك وأدين بدينك وأريد السوء لمن أراده بك، قال: يا هذا جزاك الله خيرا فانصرف، قلت: إنّ معي زادا وأريد مؤاكلتك لتؤكد [١] المودة بيننا، ونري أهل العسكرين هوانهم علينا، قال: فافعل، فتقدمت إليه حتى اختلفت أعناق دوابنا، وجمعنا أرجلنا على معارفها، وجعلنا نأكل والناس قد غلبوا ضحكا، فلما استوفينا ودّعني، ثم قلت له: إن هذا الجاهل إن أقمت على طلب المبارزة ندبني لك، فتتعب وتتعبني، فإن رأيت ألا تبرز اليوم فافعل، قال: قد فعلت، ثم انصرف


[١] م: لتتوكد.

<<  <  ج: ص:  >  >>