للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيمَا يَهَبُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ (ف) وَيُكْرَهُ، فَإِنْ عَوَّضَهُ أَوْ زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا رُجُوعَ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ، وَلَوْ دَبَّرَ الْجَنِينَ ثُمَّ وَهَبَهَا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَ ; وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ مَمْلُوكُ الْوَاهِبِ وَأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأُمِّ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ، فَمَنَعَ صِحَّةَ الْقَبْضِ كَالْمُشَاعِ، وَفِي الْحُرِّ لَمْ يَبْقَ مِلْكًا لَهُ، فَالْمَوْهُوبُ غَيْرُ مَشْغُولٍ بِحَقِّهِ وَلَا مُتَّصِلٍ بِهِ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَلَوْ وَهَبَهُ جَارِيَةً عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُدَبِّرَهَا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ; لِأَنَّهَا شُرُوطٌ تُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَكَانَتْ فَاسِدَةً، وَأَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الْهِبَةَ لِمَا مَرَّ.

[فصل الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

فَصْلٌ الْمَعَانِي الْمَانِعَةُ مِنَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ: الْمَحْرَمِيَّةُ مِنَ الْقَرَابَةِ، وَالزَّوْجِيَّةُ، وَالْمُعَاوَضَةُ، وَخُرُوجُهَا مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَحُدُوثُ الزِّيَادَةِ أَوِ التَّغْيِيرِ فِي عَيْنِهَا، وَمَوْتُ الْوَاهِبِ أَوِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.

قَالَ: (وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيمَا يَهَبُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ عَنْهَا (وَيُكْرَهُ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَسَاسَةِ وَالدَّنَاءَةِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» شَبَّهَهُ لَهُ لِخَسَاسَةِ الْفِعْلِ وَدَنَاءَةِ الْفَاعِلِ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ» أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًى إِلَّا الْوَالِدُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَهَذَا الْحَمْلُ أَوْلَى جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.

قَالَ: (فَإِنْ عَوَّضَهُ أَوْ زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) فِي نَفْسِهَا (أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا رُجُوعَ) أَمَّا إِذَا عَوَّضَهُ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْهِبَةِ التَّعْوِيضُ عَادَةً وَقَدْ حَصَلَ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الرُّجُوعِ مَعَ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا مَوْتُ الْوَاهِبِ فَلَا سَبِيلَ لِلْوَارِثِ عَلَيْهَا إِذْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنَ الْعَقْدِ. وَأَمَّا مَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِلِانْتِقَالِ إِلَى وَرَثَتِهِ، وَالتَّمْلِيكُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَصَارَ كَمَا إِذَا انْتَقَلَ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَأَمَّا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْرَجَهَا بِتَسْلِيطِهِ فَلَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ كَالْوَكِيلِ، وَنُقْصَانُ الْمَوْهُوبِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِأَنِ انْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ أَوِ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ أَوْ وَلَدَتِ الْجَارِيَةُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>