للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ [كَرْيُ الْأَنْهَارِ] كَرْيُ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْعَامَّةِ فَكَرْيُهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ يُجْبَرُ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَلَوْ كَانَ النَّهْرُ أَوِ الْبِئْرُ فِي مَوَاتٍ قَدْ أَحْيَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ الشَّفَةِ مِنَ الدُّخُولِ إِذَا كَانَ لَا يَكْسِرُ الْمُسَنَّاةَ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ كَانَ مُشْتَرَكًا، وَالْإِحْيَاءَ لِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ، فَلَا يَقْطَعُ حَقَّ الشَّفَةِ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " الْمُسْلِمُونَ "، وَفِي رِوَايَةٍ: «النَّاسُ مُشْتَرِكُونَ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ» . أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ فِيهَا لِلنَّاسِ كَافَّةً، الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَحُكْمُ الْمَاءِ مَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا الْكَلَأُ إِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَالنَّاسُ فِيهِ شُرَكَاءُ فِي الِاحْتِشَاشِ وَالرَّعْيِ كَاشْتِرَاكِهِمْ فِي مَاءِ الْبَحْرِ. وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، وَقَدْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ - فَهُوَ كَالنَّهْرِ فِي أَرْضِهِ لَا يُمْنَعُ عَنْهُ، وَلَهُ الْمَنْعُ مِنَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَعَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْمَاءِ. وَإِنْ أَنْبَتَهُ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ.

وَالْكَلَأُ مَا انْبَسَطَ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا سَاقَ لَهُ كَالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا مَا لَهُ سَاقٌ فَهُوَ شَجَرٌ وَهُوَ مِلْكٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِنَّمَا أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ فِي الْكَلَأِ لَا فِي الشَّجَرِ، وَالْعَوْسَجُ مِنَ الشَّجَرِ.

وَأَمَّا النَّارُ فَلَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي مَفَازَةٍ فَالْجَمْرُ مِلْكُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدًا مِنَ الِاسْتِضَاءَةِ وَالِاصْطِلَاءِ، وَأَنْ يَتَّخِذَ مِنْهَا سِرَاجًا؛ لِأَنَّ الْجَمْرَ مِنَ الْحَطَبِ وَأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَالنُّورَ جَوْهَرُ الْجَمْرِ. وَلِأَنَّا لَوْ أَطْلَقْنَا النَّاسَ فِي أَخْذِ الْجَمْرِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَا يَصْطَلِي بِهِ وَلَا مَا يَخْبِزُ وَيَطْبُخُ بِهِ. وَإِنْ أَوْقَدَ النَّارَ فِي مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ لَا مِنَ النَّارِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ.

[[فصل كرى الأنهار العظام على بيت المال]]

فَصْلٌ [كَرْيُ الْأَنْهَارِ] (كَرْيُ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي الْمَقَاسَمِ كَسَيْحُونَ وَإِخْوَتِهِ جَيْحُونَ وَالنِّيلِ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ، وَمَا شَابَهَهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا لِلْعَامَّةِ فَيَكُونُ فِي مَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أُجْبِرَ النَّاسُ عَلَى كَرْيِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى الْكَرْيِ إِحْيَاءً؛ لِحَقِّ الْعَامَّةِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ، لَكِنْ يُخْرِجُ الْإِمَامُ مَنْ يُطِيقُ الْعَمَلَ، وَيَجْعَلُ مَئُونَتَهُمْ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ.

(وَمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْعَامَّةِ فَكَرْيُهُ عَلَى أَهْلِهِ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَهُمْ. (وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ يُجْبَرُ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ، وَهُوَ ضَرَرُ الشُّرَكَاءِ بِالضَّرَرِ الْخَاصِّ، كَيْفَ وَفِيهِ مَنْفَعَتُهُ؟ فَلَا يُعَارِضُهُ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ بِأَنْ خَافُوا أَنْ يَنْشَقَّ النَّهْرُ، فَيَخْرُجَ الْمَاءُ إِلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرَاضِيهِمْ - فَعَلَيْهِمْ تَحْصِينُهُ بِالْحِصَصِ. وَالنَّهْرُ الْمَمْلُوكُ لِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ فَكَرْيُهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ قِيلَ: يُجْبَرُ؛ لِمَا مَرَّ، وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الضَّرَرَيْنِ خَاصٌّ. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْكَرْيِ بِأَمْرِ الْقَاضِي، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْآبِي، وَلَا كَذَلِكَ الْأَوَّلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>