للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (ف) .

وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِحُضُورِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَلَا بُدَّ فِي الشُّهُودِ مِنْ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ (ف) .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ قَالَ: جِئْتُكَ خَاطِبًا ابْنَتَكَ، أَوْ لِتُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ، أَوْ زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ. فَقَالَ الْأَبُ: قَدْ زَوَّجْتُكَ - فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ، وَلَيْسَ لِلْخَاطِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ. وَلَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ، وَالْبَيْعُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُسَاوَمَةِ.

وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنَا أَتَزَوَّجُكِ، فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ - جَازَ، وَلَزِمَ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَتَزَوَّجُكِ، بِمَعْنَى تَزَوَّجْتُكِ عُرْفًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ. وَلَوْ قَالَ: أَتُزَوِّجُنِي؟ فَقَالَ الْآخَرُ: زَوَّجْتُكَ - لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ وَاسْتِيعَادٌ، لَا أَمْرٌ وَتَوْكِيلٌ. وَلَوْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ دُونَ الِاسْتِخْبَارِ وَالسَّوْمِ يَنْعَقِدُ بِهِ.

قَالَ: (وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ) ؛ لِأَنَّهُمَا صَرِيحٌ فِيهِ. قَالَ: (وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّمْلِيكُ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، وَالسَّبَبِيَّةُ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ.

وَأَمَّا لَفْظُ الْإِجَارَةِ فَرَوَى ابْنُ رُسْتَمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ، وَلِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنِ التَّأْقِيتِ، وَلَا تَأْقِيتَ فِي النِّكَاحِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَهْرَ أَجْرًا، فَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ كَالْإِجَارَةِ.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَكَ بِابْنَتِي - لِلْحَالِ يَنْعَقِدُ، وَإِنْ أَوْصَى بِهَا مُطْلَقًا لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْمَوْتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا: كُلُّ لَفْظٍ يَصِحُّ لِتَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ مُطْلَقًا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ. وَرَوَى ابْنُ رُسْتَمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ لَفْظٍ يَكُونُ فِي الْأَمَةِ تَمْلِيكًا لِلرِّقِّ فَهُوَ نِكَاحٌ فِي الْحُرَّةِ.

[[ما يشترط في الشهود في النكاح]]

قَالَ: (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِحُضُورِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَلَا بُدَّ فِي الشُّهُودِ مِنْ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ) فَالشُّهُودُ شَرْطٌ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ» . وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الزَّانِيَةُ الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ» .

وَأَمَّا صِفَةُ الشُّهُودِ قَالَ أَصْحَابُنَا: كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْقَبُولَ بِنَفْسِهِ انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِحُضُورِهِ، وَمَنْ لَا فَلَا. وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّهَادَةِ وَالْقَبُولِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَجَازَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنِ اعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فِي الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ؛ لِمَا مَرَّ فِي الشَّهَادَاتِ، وَلَا يَمْلِكُونَ الْقَبُولَ بِأَنْفُسِهِمْ.

وَلَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَيَجُوزُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الشَّهَادَاتِ.

وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الْفَاسِقِينَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَفْصِلُ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبُولَ بِنَفْسِهِ كَالْعَدْلِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْلُوبِ الْوِلَايَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُسْلَبُهَا عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلِأَنَّهُ تَحَمَّلَ فَيَجُوزُ ; لِأَنَّ الْفِسْقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>