للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا كَانَ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِلْآخَرِ (م) إِلَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْخَصْيِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

[فصل عيوب الزوجية]

فَصْلٌ (وَإِذَا كَانَ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِلْآخَرِ إِلَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْخَصْيِ) ، أَمَّا عُيُوبُ الْمَرْأَةِ فَبِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّمْكِينُ، وَإِنَّهُ مَوْجُودٌ. وَالِاسْتِيفَاءُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَاخْتِلَالُهُ بِالْعُيُوبِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُهُ، فَهَذَا أَوْلَى.

وَأَمَّا عُيُوبُ الرَّجُلِ وَهِيَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فَكَذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ بَيْنَهُمَا الْمَصَالِحُ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، بِخِلَافِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالطَّلَاقِ، وَصَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. وَلَهُمَا: أَنَّ الْخِيَارَ يُبْطِلُ حَقَّ الزَّوْجِ، فَلَا يَثْبُتُ. وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ؛ لِإِخْلَالِهِمَا بِالْمَقْصُودِ مِنَ النِّكَاحِ، وَالْعُيُوبُ لَا تُخِلُّ بِهِ.

وَالْعِنِّينُ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَى النِّسَاءِ، أَوْ يَصِلُ إِلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْأَبْكَارِ، أَوْ يَصِلُ إِلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَلَا يَصِلُ إِلَيْهَا. وَتَكُونُ الْعُنَّةُ لَمَرِضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ، أَوْ مِنْ أَخْذٍ بِسِحْرٍ ; فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا، وَخَاصَمَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ - أَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إِلَيْهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِنْ طَلَبَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْوَطْءِ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَجُعِلَتِ السَّنَةُ مُعَرِّفَةً لِذَلِكَ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ مِنْ بُرُودَةٍ أَزَالَهُ حَرُّ الصَّيْفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ أَزَالُهُ يُبْسُ الْخَرِيفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَرَارَةٍ أَزَالَهُ بَرْدُ الشِّتَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُبْسٍ أَزَالَهُ رُطُوبَةُ الرَّبِيعِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا - عُلِمَ أَنَّهُ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَتُخَيَّرُ؛ فَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: بَانَتْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تَبِينُ إِلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ. لَهُمَا: أَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَهَا عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي كَمَا إِذَا خَيَّرَهَا الزَّوْجُ. وَلَهُ: أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَمِلْكُ الزَّوْجِ فِيهِ مَعْصُومٌ؛ فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِإِزَالَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. لَكِنْ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنِ الْأَوَّلِ بِالْعُنَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْقَاضِيَ النِّيَابَةُ فِيهِ - فَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْهُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ لِدَفْعِ الظُّلْمِ، فَلَا تَبِينُ بِدُونِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي. فَإِذَا فَرَّقَ يَصِيرُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ، فَتَكُونُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً؛ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهَا، وَهُوَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا بِمِلْكِهَا نَفْسَهَا. وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَقُّهَا.

وَالْمُرَادُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَرَوَى ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا سَنَةٌ شَمْسِيَّةٌ، وَتُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ، وَتَزِيدُ عَلَى الْقَمَرِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَيُحْسَبُ مِنْهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو

<<  <  ج: ص:  >  >>