للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُسْتَيْقِظٍ.

وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ (ف) وَاقِعٌ، وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ، وَيَقَعُ طَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ، وَكَذَلِكَ اللَّاعِبُ بِالطَّلَاقِ وَالْهَازِلُ بِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

بِالنِّسَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُطَلِّقُ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ» يَعْنِي زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَالدَّلَائِلِ، أَوْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ، فَخَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا، وَالرِّقَّ مُؤَثِّرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعَمِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِرِقِّهَا، وَقَضِيَّتُهُ طَلْقَةٌ وَنِصْفُ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَتَنَصَّفُ الطَّلْقَةُ كُمِّلَتَا.

قَالَ: (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُسْتَيْقِظٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٍ إِلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُمَا عَدِيمَا الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْأَهْلِيَّةِ بِهِمَا، وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ أَوِ النَّائِمُ ثُمَّ بَلَغَ أَوِ اسْتَيْقَظَ وَقَالَ: أَجَزْتُ ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ: أَوْقَعْتُهُ وَقَعَ.

[[حكم طلاق المكره والسكران والأخرس والهازل]]

(وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ امْرَأَةً اعْتَقَلَتْ زَوْجَهَا وَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ وَمَعَهَا شَفْرَةٌ وَقَالَتْ: لَتُطَلِّقَنِّي ثَلَاثًا أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ، فَنَاشَدَهَا اللَّهَ أَنْ لَا تَفْعَلَ فَأَبَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» . وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَرْضَ بِالْوُقُوعِ فَصَارَ كَالْهَازِلِ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَالطَّوْعُ كَالرَّضَاعِ، ثُمَّ عِنْدَنَا كُلُّ مَا صَحَّ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ فَالْإِكْرَاهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الشَّرْطُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا.

قَالَ: (وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ) ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا يَقَعُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ اعْتِبَارًا بِزَوَالِ عَقْلِهِ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ. وَلَنَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَيَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقَوْدِ بِالْقَتْلِ، وَطَلَاقُ الْمُكَلَّفِ وَاقِعٌ كَغَيْرِ السَّكْرَانِ، بِخِلَافِ الْمُبَنَّجِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ التَّكْلِيفِ، وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ بِالْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُجْعَلُ بَاقِيًا زَجْرًا حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصَدَعَ رَأْسُهُ وَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ. نَقُولُ: لَا يَقَعُ، وَالْغَالِبُ فِيمَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ وَالدَّوَاءَ التَّدَاوِي لَا الْمَعْصِيَةُ، وَلِذَلِكَ انْتَفَى التَّكْلِيفُ عَنْهُمْ.

(وَيَقَعُ طَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ) وَالْمُرَادُ إِذَا كَانَتْ إِشَارَتُهُ مَعْلُومَةً. وَقَدْ عُرِّفَ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ اللَّاعِبُ بِالطَّلَاقِ وَالْهَازِلُ بِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ: الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ طَلَّقَ لَاعِبًا جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ» ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَزِمَهُ، قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَ: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: ٢٣١] ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ غَيْرَ الطَّلَاقِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَقَعَ، لِأَنَّهُ عَدَمُ الْقَصْدِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَ. وَيَعُمُّ هَذِهِ الْفُصُولَ كُلَّهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ» الْحَدِيثَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>