للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ وَلَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ إِلَّا بَيْنَ مُسْتَوِي الدِّيَةِ إِذَا قُطِعَتْ مِنَ الْمَفْصِلِ وَتَمَاثَلَتْ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَشَجَّ نَفْسَهُ وَشَجَّهُ آخَرُ، فَعَلَى الشَّاجِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَالْبَاقِي هَدَرٌ ; لِأَنَّهُ تَلِفَ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: جِنَايَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهِيَ فِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ، وَجِنَايَةٌ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهِيَ فِعْلُ السَّبُعِ وَالْحَيَّةِ، وَجِنَايَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْآخِرَةِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ فِعْلُهُ، فَيَكُونُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الثُّلُثَ.

[فصل الْقصاص في الْأَطْرَافِ]

فَصْلٌ (وَلَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ إِلَّا بَيْنَ مُسْتَوِي الدِّيَةِ إِذَا قُطِعَتْ مِنَ الْمَفْصِلِ وَتَمَاثَلَتْ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] وَأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ، وَلِأَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ الصَّحِيحُ بِالْأَشَلِّ وَالْكَامِلُ بِالنَّاقِصَةِ الْأَصَابِعِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْقِيمَةِ، بِخِلَافِ النَّفْسِ عَلَى مَا مَرَّ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ بِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَالْمَالِيَّةُ مَعْلُومَةٌ بِتَقْدِيرِ الشَّرْعِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ التَّسَاوِي فِيهَا، وَلَا يُمْكِنُ التَّسَاوِي فِي الْقَطْعِ إِلَّا إِذَا كَانَ مِنَ الْمَفْصِلِ. إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْقِيمَةِ وَهِيَ الدِّيَةُ، وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ لِأَنَّهُمْ إِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمْ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ تَسَاوَتْ فَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الشِّجَاجِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الشِّجَاجِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ إِلْحَاقُ شَيْنٍ وَقَدِ اسْتَوَيَا فِيهِ، وَفِي الطَّرَفِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَا فِيهَا، وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الدِّيَةِ. ثُمَّ النُّقْصَانُ نَوْعَانِ: نَقْصٌ مُشَاهَدٌ كَالشَّلَلِ فَيَمْنَعُ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْكَامِلِ بِالنَّاقِصِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِيفَاءِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ. وَنَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ كَالْيَمِينِ مَعَ الْيَسَارِ، فَيَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ بِالْآخَرِ. وَكَذَا الْأَصَابِعُ لَا يُقْطَعُ إِلَّا بِمِثْلِهَا الْيَمِينُ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارُ بِالْيَسَارِ، وَكَذَا الْعَيْنُ الْيَمِينُ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارُ بِالْيَسَارِ، وَالنَّابُ بِالنَّابِ، وَالثَّنِيَّةُ بِالثَّنِيَّةِ، وَالضِّرْسُ بِالضِّرْسِ، وَلَا يُؤْخَذُ الْأَعْلَى بِالْأَسْفَلِ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ يُنْبِئُ عَنِ الْمُسَاوَاةِ وَلَا مُسَاوَاةَ إِلَّا بِالتَّسَاوِي فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْقِيمَةِ وَالْعُضْوِ، وَقِسْ عَلَى هَذَا أَمْثَالَهُ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْمَفْصِلِ قُطِعَتْ يَدُهُ لِمَا مَرَّ، وَلَا مُعْتَبِرَ بِكِبَرِ الْيَدِ وَصِغَرِهَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ لَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ عُضْوٍ يُقْطَعُ مِنَ الْمَفْصِلِ كَالرِّجْلِ وَمَارِنِ الْأَنْفِ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>