للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ وَبِغَلَّتِهِمَا أَبَدًا وَمُدَّةً مَعْلُومَةً، فَإِنْ خَرَجَا مِنَ الثُّلُثِ اسْتَخْدَمَ وَسَكَنَ وَاسْتَغَلَّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إِلَى الْوَرَثَةِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا، وَيَرْكَبَ دَابَّتَهُ إِذَا ذَهَبَ فِي حَاجَتِهِ، قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦] وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ طَمِعَ السُّلْطَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَصَالَحَهُ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَقَلِّ مِمَّا طَمَعَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ مَالِ الْيَتِيمِ مَا أَمْكَنَهُ وَقَدْ أَمْكَنَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ.

[[فصل ما يجوز الوصية به]]

فَصْلٌ (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ وَبَغْلَتِهِمَا أَبَدًا وَمُدَّةً مَعْلُومَةً) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا حَالَ الْحَيَاةِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ كَالْأَعْيَانِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَمَلَّكُهَا عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي كَمَا قُلْنَا فِي الْوَقْفِ، وَتَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا كَمَا فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ.

قَالَ: (فَإِنْ خَرَجَا مِنَ الثُّلُثِ اسْتَخْدَمَ وَسَكَنَ وَاسْتَغَلَّ) لِأَنَّ الثُّلُثَ حَقُّ الْمُوصِي فَلَا تُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِالْعَيْنِ إِلَّا بِصَيْرُورَتِهِ أَخَصَّ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ كَالْإِجَارَةِ فَكَانَتْ وَصِيَّةً بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ لَا مُطْلَقًا.

(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا بِعِوَضٍ كَالْعَارِيَةِ، هَذَا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِعِوَضٍ أَقْوَى وَأَلْزَمُ، وَالْأَضْعَفُ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَقْوَى.

قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْدِمَهُمْ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَالْمُهَايَأَةُ فِيهِ تَقَعُ عَلَى الْأَيَّامِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَنْعُ الْجَمِيعِ عَنِ الْوَرَثَةِ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ الْعَيْنِ، وَإِذَا تَقَرَّرَتِ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وَجَبَتِ الْمُهَايَأَةُ بِالْحِصَصِ كَمَا قُلْنَا.

قَالُوا: وَالْأَعْدَلُ فِي الدَّارِ أَنْ تُقَسَّمَ أَثْلَاثًا تَسْكُنُ الْوَرَثَةُ الثُّلُثَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ ; لِأَنَّ فِيهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الِانْتِفَاعِ زَمَانًا وَذَاتًا، وَفِي الْمُهَايَأَةِ ذَاتًا لَا زَمَانًا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَتَجَزَّى فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَتَعَيَّنَتِ الْمُهَايَأَةُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ لَكِنْ لَا يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ فَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى قَدْرِ ثُلُثِ التَّرِكَةِ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ مِثَالُهُ: إِذَا كَانَ الْعَبْدُ نِصْفَ التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمَيْنِ وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا ; لِأَنَّ ثُلُثَيِ الْعَبْدِ ثُلُثُ التَّرِكَةِ فَصَارَ الْمُوصَى بِهِ ثُلُثَيِ الْعَبْدِ وَثُلُثَهُ لِلْوَرَثَةِ فَيُقْسَمُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ تَخْرُجُ بَقِيَّةُ مَسَائِلِهِ.

قَالَ: (فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إِلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ اسْتَوْفَى مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي كَمَا بَيَّنَّا، فَلَوِ انْتَقَلَتْ إِلَى وَرَثَتِهِ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>