للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا

أي لا أضبطه وقوله «١» تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ

قال ثعلب:

معناه لا يذكرون الله على طعامهم ولا يسمعون، كما أن الأنعام لا تفعل ذلك.

روى الشيخان وغيرهما، من حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعلي رضي الله تعالى عنه: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» «٢» . وهذا يدل على فضل العلم والتعليم وشرف منزلة أهله، بحيث إنه إذا اهتدى به رجل واحد لا يعلم العلم، كان ذلك خيرا له من حمر النعم، وهي خيارها وأشرفها عند أهلها، فما الظن بمن يهتدي به كل يوم طوائف من الناس.

والنعم كثيرة الفائدة، سهلة الانقياد، ليس لها شراسة الدواب، ولا نفرة السباع، ولشدة حاجة الناس إليها، لم يخلق الله سبحانه وتعالى لها سلاحا شديدا، كأنياب السباع وبراثنها، وأنياب الحشرات وابرها، وجعل من شأنها الثبات والصبر على التعب والجوع والعطش. وخلقها ذلولا تقاد بالأيدي، كما قال «٣» تعالى: وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ

وجعل الله تعالى قرنها سلاحا لها، لتأمن به من الأعداء، ولما كان مأكلها الحشيش، اقتضت الحكمة الإلهية أن جعل له أفواها واسعة، وأسنانا حدادا، وأضراسا صلابا، لتطحن بها الحب والنوى.

[فائدة]

: جعل الله تعالى الأنعام رفقا بالعباد ونعمة عددها عليهم ومنفعة بالغة، قال الله تعالى: وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ، وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ

«٤» فكان أهل الجاهلية يقطعون طريق الانتفاع، ويذهبون نعمة الله فيها، ويزيلون المنفعة والمصلحة التي للعباد فيها بفعلهم الخبيث.

قال الله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ

«٥» فلفظ جعل في الآية لا يتجه أن يكون بمعنى خلق، لأن الله تعالى خلق هذه الأشياء كلها، ولا بمعنى صير لعدم المفعول الثاني، وإنما هو بمعنى ما سن ولا شرع، ولذلك تعدت إلى مفعول واحد.

والبحيرة هي الناقة، كانت إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها، أي شقوها وحرموا ركوبها، والحمل عليها، ولم يجزوا وبرها، وتركوها تأكل حيث شاءت لا تطرد عن ماء ولا كلأ، ثم نظروا إلى خامس ولدها، فإن كان ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء، وإن كان أنثى بحروا أذنها أي شقوها وتركوها، وحرّموا على النساء لبنها ومنافعها. وكانت منافعها للرجال خاصة، فإذا ماتت حلت للرجال والنساء، وقيل: كانت الناقة إذا تابعت اثنتي عشرة إناثا سيبت، فلم تركب ظهورها، ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف. فما نتجت بعد ذلك من أنثى بحر أذنها، أي شق ثم خلى سبيلها مع أمها في الإبل، فلم تركب ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>