للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأجله سمي صدى، وهو العطش.

ويجوز أن يراعى الاشتقاق على أن يكون قد اشتق من الهيام بضم الهاء، وهو داء يصيب الإبل فتشرب ولا تروى، ومنه قوله تعالى: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ

«١» وهو جمع أهيم كأحمر، والهيم الإبل التي أصابها الهيام، يقال: جمل أهيم وناقة هيماء وإبل هيم، قال الشاعر:

بي اليأس أو داء الهيام أصابني ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا

وقال لبيد «٢» :

أجزت على معارفها بشعب ... وأطلاح عن المهري هيم

وقيل: الهيم الأرض السهلة ذات الرمل، ويحتمل أنه إنما سمي هامة باسم رأسه تشبيها بهامة الإنسان وهي رأسه قال الشاعر:

ونضرب بالسيوف رؤوس قوم ... أزلنا هامهن عن الصدور

وعلى هذا يكون التجوز حاصلا من الجانبين، وهذا قد وجد في كلام بعضهم الإيماء إليه، وسمي بعضهم الهامة بالمصاص، لأنه ينزل إلى الحمام فيمص دمها، وإنما سموا بعض هذه الطيور بومة، لأنها تصيح بهذا الحرف، وبعضها يصيح بقاف وواو وقاف، فيسمونها قوقة وأم قويق، وكل هذا من جنس الهوام.

وروى «٣» مسلم وغيره، عن جابر رضي الله تعالى عنه، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صفر ولا هامة» . وفيه تأويلان: أحدهما أن العرب كانت تتشاءم بالهامة، وهي هذا الطائر المعروف من طير الليل كما تقدم. وقيل: هو البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم قالوا: نعت إليه نفسه أو بعض أهله، وهذا تفسير الإمام مالك بن أنس رحمه الله، والثاني أن العرب، كانت تعتقد أن روح القتيل، الذي لم يؤخذ بثأره، تصير هامة، فتزقو عند قبره وتقول: اسقوني اسقوني من دم قاتلي! فإذا أخذ بثأره طارت.

قال لبيد «٤» :

فليس الناس بعدك في نفير ... وما هم غير أصداء وهام

وقيل: كانوا يزعمون أن عظام الميت، وقيل روحه تصير هامة، ويسمونها الصدى، وهذا تفسير أكثر العلماء وهو المشهور، ويجوز أن يكون المراد النوعين، وأنه عليه الصلاة والسلام نهى عنهما جميعا.

روى أبو نعيم، في الحلية عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: كنت عند كعب

<<  <  ج: ص:  >  >>