للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون ما معه من الجيوش مضمومين إليه بخراسان. فلما مات الرشيد، نادى الفضل «١» بن الربيع في عسكر الرشيد بالرحيل إلى بغداد، وخالف وصية الرشيد فعظم ذلك على المأمون، وكتب إلى الفضل يذكره العهود التي أخذها عليه الرشيد، ويحذره البغي ويسأله الوفاء. فلم يلتفت الفضل إليه فكان هذا الأمر سبب ابتداء الوحشة بين والمأمون.

وذكر أبو حنيفة في الأخبار الطوال وغيره عن الكسائي أنه قال: إن الرشيد ولاني تأديب الأمين والمأمون فكنت أشدد عليهما في الأدب، وآخذهما به أخذا شديدا وخاصة الأمين، فأتتني حاجتي ذات يوم خالصة، جارية زبيدة وقالت: يا كسائي إن السيدة تقرأ عليك السلام، وتقول لك: حاجتي إليك أن ترفق بابني محمد فإنه قرة عيني وثمرة فؤادي وأنا أرقّ عليه رقة شديدة.

فقلت لخالصه: إن محمدا مرشح للخلافة بعد أبيه، ولا يجوز التقصير في أمره. فقالت خالصة:

إن لرقة هذه السيدة سببا أنا أخبرك إياه، إنها في الليلة التي ولدته فيها رأت في منامها كأنّ أربع نسوة أقبلن إليه، فاكتنفنه عن يمينه وشماله وأمامه وورائه، فقالت التي بين يديه: ملك قليل العمر عظيم الكبر ضيق الصدر واهي الأمر كبير الوزر شديد الغدر. وقالت التي من ورائه: ملك قصاف مبذر متلاف، قليل الإنصاف كثير الإسراف. وقالت التي عن يمينه.: ملك عظيم الطخم، قليل الحلم، كثير الإثم قطوع للرحم. وقالت التي عن يساره: ملك غدار كثير العثار، سريع الدمار. ثم بكت خالصة وقالت: يا كسائي وهل ينفع الحذر من القدر؟ ثم إن المأمون خلع الأمين من الخلافة، وجهز لقتاله طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين فسارا إليه وحاصراه ببغداد بعد حروب كثيرة ببغداد وتراموا بالمجانيق وجرت بينهم وقائع في أيام متعددة، وعظم الأمر واشتد البلاء، حتى خرب بسبب ذلك منازل المدينة ووثب العيارون على أموال الناس، فانتهبوها وأقام الحصار مدة سنة فتضايق الأمر على الأمين، وفارقه أكثر أصحابه وكتب طاهر إلى وجوه أهل بغداد سرا يعدهم إن أعانوه، ويتوعدهم إن لم يدخلوا في طاعته، فأجابوه وصرحوا بخلع الأمين.

وتفرّق عنه أكثر من معه فالتجأ إلى مدينة أبي جعفر، فحاصره طاهر بها ومنعه من كل شيء حتى كاد هو وأصحابه يموتون جوعا وعطشا، فلما عاين الأمين ذلك كاتب هرثمة بن أعين، وطلب منه أن يؤمنه حتى يأتيه، فأجابه إلى ذلك. فبلغ ذلك طاهرا فشق عليه، كراهية أن يظهر الفتح لهرثمة دونه، فلما كان يوم الخميس لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة خرج الأمين إلى هرثمة فلقيه هرثمة في حراقة فركب الأمين معه، وكان طاهر قد أكمن للأمين فلما صار الأمين في الحراقة خرج عليه كمين طاهر، ورموا الحراقة بالحجارة فغرق من فيها فشق الأمين ثيابه، وسبح إلى بستان فأدركوه وأخذوه، وحملوه على برذون، وأتوا به طاهرا، فبعث إليه جماعة وأمرهم بقتله، فهجموا عليه وبأيديهم السيوف، فركبوا عليه وذبحوه من قفاه، وأخذوا رأسه وأتوا به طاهرا، فأمر بنصبه. فلما رآه الناس، سكنت الفتنة ثم جهزه طاهر إلى المأمون وصحبته خاتم

<<  <  ج: ص:  >  >>