للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورموهما بالحجارة، وجرى بينهم حرب شديد، آخره أن أصحاب المقتدر ظهروا عليهما فانهزما وانهزم المرتضي بالله، وتفرق أصحابه واستتر عند ابن الجصاص، ولم يتم له أمر غير يوم وليلة، ولذلك يعد المؤرخون خلافته في هذه المدة. ثم عاد المقتدر إلى ما كان عليه، ثم ظفر بالمرتضي بالله فقتله خنقا، وأظهر أنه مات حتف أنفه، وأخرج وهو ميت من دار الخلافة، فدفنوه في خرابة بازاء داره، وكان عمره خمسين سنة.

قال «١» ابن خلكان في ترجمته كان شاعرا ماهرا، فصيحا مجيدا مخالطا للعلماء والأدباء، وهو صاحب التشبيهات التي أبدع فيها ولم يتقدمه من شق غباره، وكان قد اتفق معه جماعة وخلعوا المقتدر وبايعوه ولقبوه بالمرتضي بالله فأقام يوما وليلة، ثم إن اصحاب المقتدر تحزبوا وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم، فاستخفى ابن المعتز ثم أخذ ليلا، فلما ادخل على المقتدر أمر به فطرح على الثلج عريانا، وحشي سراويله ثلجا. فلم يزل كذلك والمقتدر يشرب، إلى أن مات، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين رحمه الله.

ليس هو بمعدود في الخلفاء لأنه لم يثبت له أمر. واستمر للمقتدر الأمر إلى أن بلغ مؤنسا الخادم أن المقتدر قد عزم على اغتياله، وكان مؤنس مقدم جيش المقتدر فبلغ المقتدر ما نقل إلى مؤنس فحلف على بطلان ذلك. وأسرها مؤنس في نفسه، ثم جرى بين العامة وبين بعض مماليكه حرب، فظن أن ذلك بأمر المقتدر فوافى مؤنس دار الخلافة في اثني عشر ألف فارس، فدخل إلى المقتدر وقبض عليه وعلى والدته السيدة، وحملهما إلى قصره ونهب الجند دار الخلافة وخلع المقتدر نفسه، من الخلافة وكتب بذلك إلى الآفاق فلما كان ثاني يوم خلعه، شغب الجند وقتلوا صاحب الشرطة، وهرب ابن مقلة الوزير، وهرب الحجاب وجاء المقتدر فجلس، وأحضر أخاه القاهر وأجلسه بين يديه، وقبل ما بين عينيه، وقال: يا أخي لا ذنب لك فجعل القاهر يقول: الله الله في نفسي يا أمير المؤمنين، فقال المقتدر: والله وحق رسول الله صلى الله عليه وسلم لا جرى عليك مني سوء أبدا وعاد ابن مقلة الوزير وكتب إلى الآفاق بخلافة المقتدر، ثم جرى بين المقتدر وبين مؤنس الخادم حرب فاقتحم المقتدر نهر السكران «٢» فأحاط به جماعة من البربر فقتله رجل منهم، وأخذوا رأسه وسلبه وثيابه، ومضوا إلى مؤنس الخادم، فمر بالمقتدر رجل من الاكراد فستر عورته بحشيش ودفنه، وأخفى أثره.

وكان قتله يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال سنة ست عشرة وثلاثمائة وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وشهر. وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وإحدى عشر شهرا خلع فيها مرتين ثم قتل كما تقدم.

وحكى الذهبي أن خلافته كانت خمسا وعشرين سنة وانه عاش ثمانيا وثلاثين سنة، وإنه كان مسرفا مبذرا للمال ناقص الرأي أعطى جارية له الدرة اليتيمة وكان وزنها ثلاثة مثاقيل، وما كانت تقوم وقيل: إنه محق من الذهب ثمانين ألف ألف دينار في أيامه وإنه خلف من الأولاد عدة منهم الرضي بالله المقتفي بالله وإسحاق والمطيع لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>