للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه الصلاة والسلام: «ما هذا جزاء المملوك الصالح من مواليه» . فقالوا: يا رسول الله فإنا لا نبيعه ولا ننحره. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كذبتم فقد استغاث بكم فلم تغيثوه، وأنا أولى بالرحمة منكم، فإن الله تعالى قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين، وأسكنها في قلوب المؤمنين» فاشتراه عليه الصلاة والسلام منهم بمائة درهم، وقال: «أيها البعير انطلق فأنت حر لوجه الله تعالى» . قال: فرغا البعير على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام. «آمين» ، ثم رغا الثانية فقال: «آمين» ثم رغا الثالثة فقال: «آمين» ثم رغا الرابعة فبكى عليه الصلاة والسلام. فقلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟ قال صلى الله عليه وسلم: «قال جزاك الله أيها النبي عن الإسلام والقرآن خيرا فقلت: آمين.

ثم قال: سكن الله رعب أمتك إلى يوم القيامة كما سكنت رعبي، فقلت: آمين. ثم قال: حقن الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي. فقلت: آمين. ثم قال: لا جعل الله بأسها بينها، فبكيت. فإن هذه الخصال سألتها ربي فأعطانيها، ومنعني هذه وأخبرني جبريل عليه السلام، عن الله عزّ وجلّ، أن فناء أمتي بالسيف جرى القلم بما هو كائن» .

[تتمة:]

قال الطرطوشي في سراج الملوك، وابن بلبان «١» ، والمقدسي في شرح الأسماء الحسنى، وغيرهم عن الفضل بن الربيع قال: حج الرشيد، فبينما أنا نائم ذات ليلة إذ سمعت قرع الباب فقلت: من هذا؟ قيل: أجب أمير المؤمنين: فخرجت مسرعا فوجدت الرشيد، فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك. فقال: ويحك قد حاك في نفسي أمر لا يخرجه إلا عالم، فانظر لي رجلا اسأله عنه. فقلت: يا أمير المؤمنين، ههنا سفيان بن عيينة، قال: فامض بنا إليه، فأتيناه فقرعنا عليه الباب فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعا وقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك. قال: جد لما جئنا له، فحادثه ساعة، ثم قال له: أعليك دين؟ قال: نعم.

قال: يا عباس اقض دينه. ثم انصرفنا فقال: ما أغنى عني صاحبك هذا شيئا. فانظر لي رجلا أسأله. قال: فقلت: ههنا الفضيل بن عياض، قال: امض بنا إليه. فأتيناه فإذا هو قائم يصلي، يتلو آية من كتاب الله عزّ وجلّ ويرددها فقرعت الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين فقال: ما لي ولأمير المؤمنين؟ فقلت: سبحان الله أما تجب عليك طاعته؟ فقال: أو ليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس لمؤمن أن يذل نفسه «٢» » . وفتح الباب ثم ارتقى إلى أعلى الغرفة مسرعا، فأطفأ السراج والتجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة، فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف الرشيد إليه فقال: أواه ما ألينها من يد، إن نجت غدا من عذاب الله! فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي، فقال: جد لما جئنا له، قال: وفيم جئت حملت على نفسك، وجميع من معك حملوا عليك، حتى لو سألتهم عند انكشاف الغطاء عنك وعنهم، أن يحملوا عنك شقصا من ذنب ما فعلوا، ولكان أشدهم حبا لك، أشدهم هربا منك. ثم قال: إن عمر بن عبد العزيز، لما ولي

<<  <  ج: ص:  >  >>