للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لحمه؟ فأشاروا إلى جمل من أحسنها، فنظر إليه العائن فوقع الجمل لساعته. وكان صاحب الجمل حكيما، فقال: من ربط جملي فليحله، وليقل: بسم الله عظيم الشان شديد البرهان ما شاء الله، كان حبس حابس من حجر يابس وشهاب قابس، اللهم إني رددت عين العائن عليه، وفي أحب الناس إليه وفي كبده وكليتيه لحم رقيق، وعظم دقيق فيما له يليق فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ

«١» . فوقف الجمل لساعته كأن لم يكن به بأس وندرت عين العائن.

[فائدة:]

العائن إذا اعترف أنه قتل غيره بالعين فلا قود عليه، ولا دية ولا كفارة، وإن كانت العين حقا، لأنه لا يفضي إلى القتل غالبا، ويندب للعائن أن يدعو له بالبركة فيقول اللهم بارك فيه ولا تضره وأن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

وذكر القاضي حسين أن نبيا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام استكثر قومه ذات يوم فأمات الله تعالى منهم مائة ألف في ليلة واحدة، فلما أصبح شكا إلى الله من ذلك، فقال الله تعالى له: إنك لما استكثرتهم عنتهم فهلا حصنتهم! فقال: يا رب فكيف أحصنهم؟ قال: تقول حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا، ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال القاضي: وهكذا السنة في الرجل إذا رأى نفسه سليمة وأحواله معتدلة، يقول في نفسه ذلك.

وكان القاضي يحصن تلامذته بذلك إذا استكثرهم. وذكر الإمام فخر الدين الرازي في بعض كتبه أن العين لا تؤثر ممن له نفس شريفة لأنها استعظام للشيء وما ذكره القاضي حسين يرد ذلك.

وحكى القشيري في رسالته عن محمد بن سعيد البصري أنه قال: بينما أنا أمشي في بعض طرق البصرة إذ رأيت أعرابيا يسوق جملا، ثم التفت فإذا الجمل قد وقع ميتا، ووقع الرجل والقتب، فمشيت قليلا ثم التفت، فإذا الأعرابي يقول يا مسبب كل سبب يا مؤمل كل من طلب رد على ما ذهب، يحمل الرجل والقتب، فقام الجمل وعليه الرجل والقتب. واحياء الموتى كرامة فهو وإن كان عظيما إلا أنه جائز على القول الصحيح المختار، عند المحققين المعتمدين من أئمة الأصول، إذ ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي، بشرط أن لا يدعي التحدي كالنبوة. وإحياء الموتى كرامة للأولياء كثير لا ينحصر وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر طرف من ذلك في أماكنه من هذا الكتاب.

[فائدة:]

قال شيخنا اليافعي رحمه الله: لا يلزم أن يكون من له كرامة من الأولياء أفضل ممن ليس له كرامة منهم، بل قد يكون بعض من ليس له كرامة منهم أفضل من بعض، من له كرامة، لأن الكرامة قد تكون لتقوية يقين صاحبها، وكمال المعرفة بالله. ولهذا قال قطب العلوم وتاج العارفين وقرة أعين الصديقين أبو القاسم الجنيد «٢» قدس الله سره: قد مشى رجال باليقين على الماء، ومات بالعطش رجال أفضل منهم. وقال أيضا: اليقين ارتفاع الريب في مشهد الغيب وقال أيضا: اليقين هو استقرار العلم الذي لا ينقلب ولا يحول ولا يتغير وقال: (يعني اليافعي) ، قلت:

ولأن الكرامة قد تقع لكثير من المحبين والزهاد، ولا تقع لكثير من العارفين، والمعرفة أفضل من

<<  <  ج: ص:  >  >>