للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجاله، فثبت أمره بعد أن كان قد أشفى على الانحلال والانخرام. ثم إنه جهز ثيابا وسأل عن خياط حاذق، فوصف له خياط كان لصاحب البلد قبله، فأمر بإحضاره وكان أطروشا، وكان عنده وديعة لصاحب البلد، فوقع في نفسه أنه سعى به إليه، وأنه طلب بسبب الوديعة، فلما خاطبه حلف أنه لم يكن عنده سوى أثني عشر صندوقا لا يدري ما فيها، فتعجب عماد الدولة من جوابه ووجه معه من يحمل الصناديق، فوجد فيها أموالا وثيابا تجمل كثيرة، فكانت هذه الأسباب من أقوى دلائل سعادته، توفي عماد الدولة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ولم يعقب.

[الحكم:]

يحرم أكل الحيات لضررها. وكذا يحرم أكل الترياق المعمول من لحومها. وقال البيهقي: كره أكله ابن سيرين، قال أحمد: ولهذا كرهه الإمام الشافعي، فقال: لا يجوز أكل الترياق المعمول من لحم الحيات، إلا أن يكون بحال الضرورة، بحيث يجوز له أكل الميتة وأما السمك الذي في البحر على شكلها فحلال، كما تقدم. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحيات أمر ندب.

روى البخاري ومسلم والنسائي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى، وقد أنزلت عليه والمرسلات عرفا، فنحن نأخذها من فيه رطبة، إذ خرجت علينا حية فقال: اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا فقال صلى الله عليه وسلم: «وقاها الله شركم كما وقاكم شرها «١» .

وعداوة الحية للإنسان معروفة قال الله تعالى: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ*

«٢» قال الجمهور الخطاب لآدم وحواء والحية وإبليس.

وروى قتادة: رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما سالمناهن منذ عاديناهن» «٣» .

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: من تركهن فليس منا. وقالت عائشة رضي الله عنها: من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وفي سنن البيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحية فاسقة والعقرب فاسقة والفأرة فاسقة والغراب فاسق» «٤» . وفي مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من قتل حية فكأنما قتل رجلا مشركا بالله، ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا» «٥» . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «إن الحيات مسخت كما مسخت القردة من بني إسرائيل» «٦» . وكذا رواه الطبراني عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا رواه ابن حبان.

وأما الحيات التي في البيوت، فلا تقتل حتى تنذر ثلاثة أيام، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن بالمدينة جناقد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فآذنوه ثلاثة أيام» «٧» . وحمل بعض العلماء ذلك على المدينة وحدها.

والصحيح أنه عام في كل بلدة لا تقتل حتى تنذر. روى مسلم ومالك في أواخر الموطأ وغيرهما، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال: دخلت على أبي سعيد الخدري في بيته، فوجدته يصلي، فجلست أنتظر فراغه فسمعت حركة تحت سرير في ناحية البيت فالتفت، فإذا حية فوثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>