للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما أن فيها الدية، وبه قال عبد الملك بن مروان والزهري وقتادة ومالك والليث والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه انتهى. قال البطليوسي:

الخفاش له أربعة أسماء: خفاش وخشاف وخطاف ووطواط، وتسميته خفاشا يحتمل أن تكون مأخوذة من الخفش والأخفش في اللغة نوعان: ضعيف البصر خلقه، والثاني لعلة حدثت وهو الذي يبصر بالليل دون النهار وفي يوم الغيم دون يوم الصحو انتهى. وذكر الجاحظ أن إسم الخفاش يقع على سائر طير الليل، فكأنه راعي العموم، وكون الوطواط هو الخفاش هو الذي ذكره ابن قتيبة وأبو حاتم في كتاب الطير الكبير. وما ذكره البطليوسي من أن الخفاش هو الخطاف فيه نظر، والحق أنهما صنفان وهو الوطواط. وقال قوم:

الخفاش الصغير والوطواط الكبير وهو لا يبصر في ضوء القمر ولا في ضوء النهار غير قوي البصر قليل شعاع العين كما قال الشاعر:

مثل النهار يزيد أبصار الورى ... نورا ويعمي أعين الخفاش

ولما كان لا يبصر نهارا التمس الوقت الذي لا يكون فيه ظلمة ولا ضوء وهو قريب غروب الشمس لأنه وقت هيجان البعوض، فإن البعوض يخرج ذلك الوقت يطلب قوته، وهو دماء الحيوان، والخفاش يخرج طالبا للطعم فيقع طالب رزق على طالب رزق فسبحان الحكيم.

والخفاش ليس هو من الطير في شيء فإنه ذو أذنين وأسنان وخصيتين ومنقار ويحيض ويطهر، ويضحك كما يضحك الإنسان، ويبول كما تبول ذوات الأربع ويرضع ولده ولا ريش له. قال:

بعض المفسرين: لما كان الخفاش هو الذي خلقه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بإذن الله تعالى كان مباينا لصنعة الخالق. ولهذا سائر الطيور تقهره وتبغضه فما كان منها يأكل اللحم أكله وما لا يأكل اللحم قتله، فلذلك لا يطير إلا ليلا. وقيل لم يخلق عيسى غيره لأنه أكمل الطير خلقا. وهو أبلغ في القدوة لأن له ثديا وآذانا وأسنانا ويحيض كما تحيض المرأة. قال وهب بن منبه:

كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الخلق من فعل الخالق، وليعلم أن الكمال لله تعالى. وقيل: إنما طلبوا خلق الخفاش لأنه من أعجب الطير خلقية، إذ هو لحم ودم يطير بغير ريش وهو شديد الطيران سريع التقلب، يقتات البعوض والذباب، وبعض الفواكه وهو مع ذلك موصوف بطول العمر فيقال: إنه أطول عمرا من النسر ومن حمار الوحش، وتلد انثاه ما بين ثلاثة أفراخ وسبعة، وكثيرا ما يسفد وهو طائر في الهواء وليس في الحيوان ما يحمل ولده غيره والقرد والإنسان، ويحمله تحت جناحه وربما قبض عليه بفيه وذلك من حنوه وإشفاقه عليه، وربما أرضعت الأنثى ولدها وهي طائرة وفي طبعه إنه متى أصابه ورق الدلب خدر ولم يطر، ويوصف بالحمق، ومن ذلك أنه إذا قيل له: اطرق كرى، الصق بالأرض.

[الحكم:]

يحرم أكله لما رواه أبو الحويرث مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله، وقيل: إنه لما خرب بيت المقدس، قال: رب سلطني على البحر حتى أغرقهم، وسئل عنه الإمام أحمد فقال:

ومن يأكله؟ قال النخعي: كل الطير حلال إلا الخفاش. قال الروياني: وقد حكينا في الحج خلاف هذا فيحتمل قولين، وعبارة الشرح والروضة يحرم الخفاش قطعا. وقد يجري فيه الخلاف مع

<<  <  ج: ص:  >  >>