للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: «بئس الشعب شعب أجياد» مرتين أو ثلاثا، قيل: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لأنه تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات، يسمعها من بين الخافقين» .

وقيل إن وجهها وجه رجل، وسائر خلقتها كخلقة الطير، فتكلم من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن لا يوقنون.

[فرع:]

أوصى لرجل بدابة حمل على فرس وبغل وحمار، لأنها في اللغة إسم لما دب على وجه الأرض، ثم قصرها العرف على ذوات الأربع والوصية تنزل على العرف، وإذا ثبت عرف في بلد عم جميع البلاد، كما لو حلف لا يركب دابة فركب كافرا لا يحنث، وإن كان الله تعالى قد سماه دابة وكما لو احلف لا يأكل خبزا حنث بأكل خبز الأرز في طبرستان على الأصح هذا هو المنصوص.

وقال ابن سريج: إنما ذكر الشافعي هذا، على عرف أهل مصر، في ركوبها جميعا، واستعمال لفظ الدابة فيها. أما حيث لا يستعمل إلا في الفرس كالعراق، فإنه لا يعطي سواها، وقيل: إن قاله بمصر لم يعط إلا حمارا قاله في البحر ويدخل في لفظ الدابة الكبير والصغير، والذكر والأنثى والسليم والمعيب، وقال المتولي: إلا ما يمكن ركوبه.

[فرع:]

يكره دوام الوقوف على الدابة لغير حاجة، وترك النزول عنها للحاجة، لما في سنن أبي داود والبيهقي، من حديث أبي مريم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم «١» قال: «إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله عزّ وجلّ إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم في الأرض مستقرا فاقضوا عليها حاجاتكم» . ويجوز الوقوف على ظهرها للحاجة، ريثما تقضى لما روى «٢» مسلم وأبو داود والنسائي، عن أم الحصين الأحمسية رضي الله تعالى عنها، قالت: «حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالا رضي الله تعالى عنهما، أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة» . وهكذا رواه أحمد والحاكم وابن حبان وصححاه. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام، في الفتاوى الموصلية: النهي عن ركوب الدواب، وهي واقفة محمول على ما إذا كان لغير غرض صحيح، وأما الركوب الطويل في الأغراض الصحيحة، فتارة يكون مندوبا، كالوقوف بعرفة، وتارة يكون واجبا، كوقوف الصفوف في قتال المشركين، وقتال كل من يجب قتاله، وكذلك الحراسة في الجهاد، إذا خيف هجمة العدو، وهذا لا خلاف فيه. وفي حديث أم الحصين رضي الله تعالى عنها دليل على أن للمحرم أن يستظل بالمظال، نازلا بالأرض وراكبا على ظهر الدابة، ورخص فيه أكثر أهل العلم إلا أن مالك بن أنس وأحمد رضي الله تعالى عنهما، كانا يكرهان للمحرم أن يستظل راكبا، لما روى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه رأى رجلا قد جعل على رحله عودا له شعبتان، وجعل عليه ثوبا يستظل به وهو محرم، فقال له ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: اضح للذي حرمت له أي ابرز للشمس، وأما قوله صلى الله عليه وسلم «لا تتخذوا ظهور الدواب منابر» فإنما أراد أن يستوطن ظهورها لغير أرب في ذلك، ولا حاجة. وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>