للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرتفعة من الأرض، والأماكن الصلبة. قال الكميت:

وكنا إذا جبار قوم أرادنا ... بكيد حملناه على قرن أعفرا

يعني نقتله ونحمل رأسه على السنان، وكانت الأسنة فيما مضى من القرون. وصنف يسمى الأدم، طوال الأعناق والقوائم، بيض البطون. وتوصف الظباء بحدة البصر، وهي أشد الحيوان نفورا ومن كيس الظبي، أنه إذا أراد أن يدخل كناسه يدخل مستديرا ويستقبل بعينيه ما يخافه على نفسه وخشفانه، فإن رأى أن أحدا أبصره حين دخوله لا يدخل وإلا دخل. ويستطيب الحنظل ويلتذ بأكله ويرد البحر فيشرب من مائه المر الزعاق. قال ابن قتيبة: ولد الظبية أول سنة طلا بفتح الطاء وخشف بكسر الخاء المعجمة ثم في السنة الثانية جذع ثم في الثالثة ثني ثم لا يزال ثنيا حتى يموت.

وذكر ابن خلكان، في ترجمة «١» جعفر الصادق، أنه سأل أبا حنيفة رضي الله تعالى عنهما ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي؟ فقال: يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعلم ما فيه. فقال: إن الظبي لا يكون رباعيا وهو ثني أبدا! كذا حكاه كشاجم، في كتاب المصايد والمطارد.

وقال الجوهري في مادة س ن ن في قول الشاعر، في وصف الإبل:

فجاءت كسنّ الظبي لم أر مثلها ... شفاء عليل أو حلوبة جائع

أي هي ثنيات لأن الثني هو الذي يلقي ثنيته، والظبي لا تثبت له ثنية قط، فهو ثني أبدا. وقال ابن شبرمة: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد الصادق، فقلت: هذا رجل فقيه من العراق، فقال: لعله الذي يقيس الدين برأيه، أهو النعمان بن ثابت؟ قال: ولم أعلم باسمه إلا ذلك اليوم، فقال له أبو حنيفة: نعم أنا ذلك أصلحك الله، فقال له جعفر: اتق الله ولا تقس الدين برأيك، فإن أول من قاس برأيه إبليس إذ قال: أنا خير منه فأخطأ بقياسه فضل. ثم قال له: أتحسن أن تقيس رأسك من جسدك؟ قال: لا. قال جعفر: فأخبرني لم جعل الله الملوحة في العينين، والمرارة في الأذنين، والماء في المنخرين، والعذوبة في الشفتين، لأي شيء جعل الله ذلك؟

قال: لا أدري. قال جعفر: إن الله تعالى خلق العينين فجعلهما شحمتين، وخلق الملوحة فيهما منا منه على ابن آدم، ولولا ذلك لذابتا فذهبتا. وجعل المرارة في الأذنين منا منه عليه، ولولا ذلك لهجمت الدواب فأكلت دماغه. وجعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس وينزل، ويجد منه الريح الطيبة من الريح الرديئة، وجعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذة المطعم والمشرب.

ثم قال لأبي حنيفة: أخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها إيمان؟ قال: لا أدري. قال جعفر: هي كلمة لا إله إلا الله. فلو قال: لا إله، ثم سكت كان شركا. ثم قال: ويحك، أيما أعظم عند الله إثما: قتل النفس التي حرم الله بغير حق، أو الزنا؟ قال: بل قتل النفس. قال جعفر: إن الله تعالى قد قبل في قتل النفس شهادة شاهدين، ولم يقبل في الزنا إلا شهادة أربعة فأنى يقوم لك القياس؟ ثم قال: أيما أعظم عند الله الصوم أو الصلاة؟ قال: الصلاة. قال: فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ اتق الله يا عبد الله، ولا تقس الدين برأيك، فإنا نقف غدا ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>