للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جزائر، كل جزور بوسق من تمر، يشترط عليه البدوي تمر ذخيرة مصلبة من تمر آل دليم، فيقول قيس: نعم. قال: فاشهد لي قال: فأشهد له نفرا من الأنصار، ومعهم نفر من المهاجرين. قال قيس: إنما أشهد من تحب، وكان فيمن أشهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فقال عمر:

ما أشهد على هذا بدين، ولا مال له، إنما المال لأبيه، فقال الجهني: والله ما كان سعد ليبخس في وسقة من تمر، وإني أرى وجها حسنا وفعالا شريفة. فكان بين عمر وقيس كلام، حتى أغلظ عمر لقيس، ثم أخذ الجزر فنحرها لهم في مواطن ثلاثة، كل يوم جزورا، فلما كان اليوم الرابع، نهاه أميره وقال له: أتريد أن تحفر ذمتك ولا مال لك؟ قال: فأقبل أبو عبيدة ومعه عمر، فقال: عزمت عليك أن لا تنحر، فقال قيس: يا أبا عبيدة أترى أبا ثابت يقضي ديون الناس، ويحمل الكل، ويطعم في المجاعة، ولا يقضي عني وسقة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله؟ فكاد أبو عبيدة أن يلين له، وجعل عمر يقول: اعزم عليه، فعزم عليه وبلغ سعدا ما أصاب القوم من المجاعة فقال: إن يكن قيس كما أعرف، فسينحر للقوم، فلما قدم قيس لقيه سعد فقال: ما صنعت في مجاعة القوم؟

قال: نحرت. قال: أصبت، ثم ماذا؟ قال: نحرت. قال: أصبت، ثم ماذا؟ قال: نحرت.

قال: أصبت، ثم ماذا؟ قال: نهيت. قال: ومن نهاك؟ قال: أبو عبيدة أميري. قال: ولم؟ قال:

زعم أنه لا مال لي، وإنما المال لأبيك! فقلت: إن أبي يقضي عن الأباعد، ويحمل الكل، ويطعم في المجاعة، ولا يصنع هذا بي؟ قال: تلك أربع حوائط أدناها حائطا نجذ منه خمسين وسقا.

قال: وقدم البدوي مع قيس فأوفاه وسقته، وحمله وكساه. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من فعل قيس فقال: «إنه من قلب جود» .

والعنبر المشموم، قيل: إنه يخرج من قعر البحر، يأكله بعض دوابه لدسومته، فيقذفه رجيعا، فيوجد كالحجارة الكبار، فيطفو على الماء، فتلقيه الريح إلى الساحل، وهو يقوي القلب والدماغ، نافع من الفالج واللقوة والبلغم الغليظ. وقال ابن سيده: العنبر يخرج من البحر، وأجوده الأشهب ثم الأزرق ثم الأصفر ثم الأسود. قال: وكثيرا ما يوجد في أجواف السمك الذي يأكله ويموت. وزعم بعض التجار أن بحر الزنج يقذفه كجمجمة الإنسان، وأكبرها وزنه ألف مثقال. وكثيرا ما تأكله الحيتان فتموت، والدابة التي تأكله تدعى العنبر.

[الحكم]

: قال الماوردي والروياني في كتاب الزكاة: لا زكاة في العنبر والمسك. وقال أبو يوسف: فيهما الخمس. وقال الحسن وعمر بن عبد العزيز وعبد الله العنبري واسحاق: يجب الخمس في العنبر. واحتج الشافعي عليهم بقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في العنبر، إنما هو شيء دسره البحر، أي لفظه، وليس بمعدن حتى يجب فيه الخمس. وروي عنه صريحا أنه قال: لا زكاة فيه.

وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العنبر ليس بغنيمة» ، وهذا ينفي وجوب الزكاة فيه. قالا، أي الماوردي والروياني: وأكثر الفقهاء على أن العنبر طاهر، وقال الشافعي: سمعت من قال:

رأيت العنبر نابتا في البحر، ملتويا مثل عنق الشاة. وقيل: إن أصله نبت في البحر وله رائحة ذكية. وفي البحر دويبة تقصده لذكاء رائحته، وهو سمها، فتأكله فيقتلها ويلفظها البحر، فيخرج العنبر من بطنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>