للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يخشى على عقل شاربه، ولبن ابن آدم زيادة في المال، إذ هو زاد في الثدي، ولا يحمد لمن رضعه فإنه يدل على داء مكروه. قال محمد بن سيرين: لا أحب الراضع ولا المرضع، فإن شربه المريض، شفي من مرضه، لأن به كان نشؤه وقوته ومن بدد اللبن فقد ضيع دينه، ومن رأى اللبن يخرج من الأرض، فإنها فتنة يراق فيها الدم على قدر ذلك اللبن، ولبن الكلاب والذئاب والسنانير خوف أو مرض. وقيل: إن لبن الذئب مال من سلطان، ورياسة على قوم. ولبن الهوام، من شربه فإنه يصالح أعداءه، والله تعالى أعلم.

[الفدس:]

بالضم العنكبوت، والجمع فدسة كفردة.

[الفرأ:]

الحمار الوحشي، والجمع الفراء، مثل جبل وجبال، وفي المثل «١» «كل الصيد في جوف الفرا» . قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان بن الحارث. وقيل: لأبي سفيان بن حرب، كذا قاله أبو عمر بن عبد البر، وقال السهيلي: الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قاله لابن حرب يتألف به، وذلك أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فحجب قليلا ثم أذن له، فلما دخل قال: ما كدت تأذن لحجارة الجلهمتين، وهما جانبا الوادي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا سفيان أنت كما قيل: «كل الصيد في جوف الفرا» ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك يتألفه عن الإسلام، يعني إذا حجبتك منع كل محجوب، وقال في كلامه على فتح مكة، الأصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لأبي سفيان بن الحارث، وكان رضيع النبي صلى الله عليه وسلم أرضعتهما حليمة، وكان آلف الناس له قبل النبوة لا يفارقه، فلما بعث صلى الله عليه وسلم كان أبعد الناس وأهجاهم له، إلى أن أسلم، فكان أصح الناس إيمانا، وألزمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصل هذا المثل أن جماعة ذهبوا إلى الصيد، فصاد أحدهم ظبيا، والآخر أرنبا، والآخر حمار وحش، فاستبشر صاحب الأرنب وصاحب الظبي بما نالا، وتطاولا على الثالث فقال الثالث: «كل الصيد في جوف الفرا» ، أي الذي رزقت وظفرت به مشتمل على ما عندكما، وذلك أنه ليس فيما يصيده الناس أعظم من حمار الوحش. ثم اشتهر ذلك المثل واستعمل في كل حاو لغيره وجامع له قال الشاعر:

يقولون كافات الشتاء كثيرة ... وما هي إلا واحد غير ممتري

إذا صحّ كاف الكيس فالكل حاصل ... لديك وكل الصيد في جوف الفرا

[الفراش:]

دواب مثل البعوض، واحدتها فراشة، وهي التي تطير وتتهافت في السراج لضعف أبصارها، فهي بسبب ذلك تطلب ضوء النهار، فإذا رأت فتيلة السراج بالليل ظنت أنها في بيت مظلم، وأن السراج كوة في البيت المظلم إلى الموضع المضيء، فلا تزال تطلب الضوء وترمي بنفسها إلى النار، فإذا جاوزتها ورأت الظلام ظنت أنها لم تصب الكوة، ولم تقصدها على السداد، فتعود إليها مرة بعد مرة، حتى تحترق.

قال الإمام حجة الإسلام الغزالي: ولعلك تظن أن هذا لنقصان فهمها وجهلها، ثم قال:

فاعلم أن جهل الإنسان أعظم من جهلها، بل صورة الإنسان في الاكباب على الشهوات، والتهافت فيها، أعظم جهالة منها، لأنه لا يزال يرمي بنفسه فيها إلى أن ينغمس فيها ويهلك هلاكا

<<  <  ج: ص:  >  >>