للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدم ثم صد به تغنم. قال مالك: فخرجت من فوري إلى طوى الأرقم، فإذا كلب أسحم هائل المنظر، قد وثب على قرهب، يعني ثورا وحشيا، فصرعه وأنا أنظر إليه، ثم بقر بطنه وجعل يلغ في دمه فتهيبته، ثم تجاسرت فتقدمت عليه وهو مقبل على عقيرته، لم يلتفت إلي فشددت في عنقه حبلا، ثم جذبته فتبعني فأتيت راحلتي فأثرتها وقدتها، إلى القرهب وأنختها فجررته وحملته عليها، ثم قدتها وسرت قاصدا إلى الحي والكلب يلوذ بي، فعنت لي ظبية فجعل الكلب يثب ويجاذبني الحبل، فترددت في إرساله ثم أرسلته، فمر كالسهم حتى اختطفها، فأتيته فجاذبته إياها، فأرسلها من يديه، فاستقر بي السرور، وأتيت إلى أهلي فعترت الظبية لغلاب، ووزعت لحم القرهب وبت بخير ليلة.

ثم باكرت به الصيد، فلم يفته حمار ولا ماطلة ثور، ولا اعتصم منه وعل، ولا أعجزه ظبي، فتضاعف سروري به، وبالغت في إكرامه وسميته سحاما. فلبثت كذلك ما شاء الله. فإني لذات يوم أصيد به، إذ بصرت بنعامة على أدحيها، وهي قريبة مني فأرسلته عليها فأجفلت أمامه، وأتبعتها على فرس جواد، فلما كاد الكلب أن يثب عليها، انقضت عليه عقاب من الجو، فكر راجعا نحوي، فصحت به فما كذب، وأمسكت الفرس فجاء سحام حتى دخل بين قوائمها، ونزلت العقاب أمامي على شجرة، وقالت: سحام! قال الكلب: لبيك. قالت: هلكت الأصنام، وظهر الإسلام، فأسلم تنج بسلام، وإلا فليست بدار مقام. ثم طارت العقاب وتبصرت سحاما فلم أره وكان آخر عهدي به.

قوله طوى أرقم، الطوى بئر مطوية بالحجارة، والأسحم الأسود وبه سمي الكلب سحاما، فهو فعال من ذلك. وقوله: بنعامة على أدحيها، أي الموضع الذي فيه بيضها وقوله ما كذب أي ما توقف ولا انثنى.

[فائدة]

: روى الحاكم في المستدرك، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، قالت:

قدمت امرأة من أهل دومة الجندل علي تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد موته بيسير، تسأله عن شيء دخلت فيه، من أمر السحر لم تعلم به، قالت: فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إني لأرحمها من كثرة بكائها، وهي تقول: إني أخاف أن أكون قد هلكت، فسألتها عن قصتها، فقالت: كان لي زوج قد غاب عني، فدخلت علي عجوز فشكوت لها حالي، فقالت: إن فعلت ما آمرك به فإنه يأتيك بعلك! فقلت: إني أفعل. فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبت أحدهما، وتركت الآخر، فلم يكن بأسرع حتى وقفنا ببابل، فإذا أنا برجلين معلقين بأرجلهما، فقالا: ما حاجتك؟ وما جاء بك؟ فقلت: أتعلم السحر؟ فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري! وارجعي. فأبيت وقلت: لا أرجع. قالا: فاذهبي إلى التنور فبولي فيه، فذهبت إليه فاقشعر جلدي ففزعت منه، ولم أفعل فرجعت إليهما، فقالا لي: فعلت؟ قلت: نعم. قالا: هل رأيت شيئا؟ قلت: لم أر شيئا. فقالا: لم تفعلي. ارجعي إلى بلادك لا تكفري، فأبيت فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه فذهبت إليه فاقعشر جلدي وخفت ثم رجعت إليهما فقالا لي: ما رأيت؟ إلى أن قالت: فذهبت في الثالثة فبلت فيه فرأيت فارسا مقنعا بالحديد، خرج مني حتى ذهب في السماء، فأتيتهما فأخبرتهما فقالا: صدقت، ذاك إيمانك خرج منك، اذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>