للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جوفاء وبراء وعشراء، كما وصفوا، لا يعلم ما بين جنبيها عظما إلا الله تعالى، وهم ينظرون ثم نتجت سقبا مثالها في العظم فآمن به جندع بن عمرو ورهط من قومه. فقال لهم صالح عليه السلام: هذه ناقة الله لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم. فمكثت الناقة، ومعها سقبها في أرض ثمود، ترعى الشجر وتشرب الماء وكانت ترد الماء غبا، فإذا كان يوم شربها، وضعت رأسها في بئر في الحجر، يقال لها بئر الناقة لا ترفع رأسها حتى تشرب كل ما فيها، فلا تدع فيها قطرة، ثم ترفع رأسها فتتفحج لهم، فيحلبون منها ما شاؤوا من لبن، فيشربون ويدخرون ويملؤون أوانيهم كلها. ثم تصدر من غير الفج الذي وردت منه، لأنها لا تقدر أن تصدر من حيث جاءت. فإذا كان الغد كان يومهم، فيشربون من الماء ما شاؤوا، أو يدخرون ما شاؤوا فهم من ذلك في بر ودعة.

وكانت الناقة تصيف، إذا كان الحر، بظهر الوادي، فتهرب منها المواشي إلى بطن الوادي، في حره وجدبه، وتشتو إذا كان الشتاء ببطن الوادي، فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدب، فأضر ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار، فكبر ذلك عليهم فعتوا عن أمر ربهم، وحملهم ذلك على عقر الناقة، فعقرها قدار بن سالف، وهو أشقى الأولين. وكان أحمر أزرق قصيرا ملتزق الخلق، واسم أمه قديرة. روي أنه ولد على فراش سالف، ولم يكن من ظهره، فدعته امرأة يقال لها عنيزة، وكانت عجوزا مسنة، وكانت ذات بنات حسان، وذات مال من إبل وبقر وغنم.

وكان قدار عزيزا منيعا في قومه، فقالت له: أعطيك أي بناتي شئت، على أن تعقر الناقة.

فانطلق قدار فكمن لها في أصل شجرة على طريقها، فلما مرت به شد عليها بالسيف فعقرها، فذلك قوله «١» تعالى: فَتَعاطى فَعَقَرَ

أي قام على أطراف أصابع رجليه، ثم رفع يديه فضربها، فجرت ورغت رغاءة واحدة تحذر سقبها، فانطلق السقب حتى أتى جبلا منيعا، يقال له صنو.

وأتى صالح عليه السلام فقيل له: أدرك الناقة، فقد عقرت، فأقبل وخرجوا يتلقونه يعتذرون إليه. ويقولون له: يا نبي الله إنما عقرها فلان، لا ذنب لنا. فقال: انظروا هل تدركون فصيلها، فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب، فخرجوا يطلبونه، فلما رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه، فأوحى الله إلى الجبل فتطاول في السماء حتى ما يناله الطير.

وقدار بضم القاف ثم دال مهملة مخففة ثم ألف ثم راء مهملة هكذا ذكره جميع أهل التواريخ وغيرهم. ووقع في المهذب، في باب الهدنة، أن اسمه العيزار بن سالف، وهو وهم بلا خلاف. وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة، كأنما طليت بالخلوق، صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وإنثاهم فأيقنوا بالعذاب، وكان صالح عليه الصلاة والسلام قد أخبرهم بذلك. وخرج هاربا منهم فشغلهم عنه ما نزل بهم، من عذاب الله، فجعل بعضهم يخبر بعضا ما يرون في وجوههم، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل، فلما أصبحوا يوم الجمعة إذا وجوههم محمرة، كأنما خضبت بالدماء، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل، فلما أصبحوا يوم السبت إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار، فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>