للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأمثال]

: قالوا: «أعمر من نسر» «١» وقالوا: «أتى الأبد على لبد» «٢» وهذا اللبد الذي هو آخر نسور لقمان بن عاد.

وكان لقمان بن عاد الأصغر، قد سيره قومه، وهم عاد الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز، إلى الحرم يستسقي لهم، ومعه رهط من قومه، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر، وهو بظاهر مكة خارج الحرم، فأنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فأقاموا عنده شهرا، وكان مسيرهم شهرا. فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم، وقد بعثهم قومهم يتغوثون لهم، من البلاء الذي أصابهم، شق ذلك عليه، فقال: هلك أخوالي وأصهاري، وهؤلاء مقيمون عندي، وهم ضيفي، والله ما أدري كيف أصنع بهم. فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين فقالتا: قل شعرا لا يدرون من قاله، لعل ذلك يحركهم! فقال شعرا يؤنبهم فيه ويذكرهم الأمر الذي وفدوا لأجله، فلما غنتهم الجرادتان شعره، قال بعضهم لبعض: إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم، فادخلوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم.

فقال مرثد بن سعد، وكان قد آمن بهود عليه الصلاة والسلام سرا: إنكم والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم، وأنبتم إلى ربكم سقيتم. فأظهر إسلامه عند ذلك، وقال شعرا يذكر فيه إسلامه. فقالوا لمعاوية بن بكر: احبس عنا مرثد بن سعد، فلا يقدمن معنا مكة، فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا.

ثم خرجوا إلى مكة يستسقون لعاد، فلما ولوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية بن بكر، حتى أدركهم قبل أن يدعوا الله بشيء مما خرجوا له، فلما انتهى إليهم، قام يدعو الله، ووفد عاد يدعون. فقال: اللهم أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد.

وكان قيل بن عتر رأس وفد عاد، فقال وفد عاد: اللهم اعط ما سألك، واجعل سؤلنا مع سؤله. فقال قيل: يا إلهنا إن كان هود صادقا، فاسقنا فإنا قد هلكنا. فأنشأ الله سحائب ثلاثا:

بيضاء وحمراء وسوداء. ثم ناداه مناد من السحاب: يا قيل، اختر لنفسك وقومك من هذه السحائب، فقال قيل: اخترت السحابة السوداء، فإنها أكثر السحائب ماء، فناداه مناد: اخترت رمادا رمدا لا يبقي من آل عاد أحدا.

وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل، بما فيها من النقمة، إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد يقال له المغيث، فلما رأوها استبشروا وقالوا: هذا عارض ممطرنا، يقول الله عز وجل: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ

الآية «٣» .

وكان أول من أبصر ما فيها، وعرف أنها ريح مهلكة، امرأة من عاد، يقال لها مهدو، فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت، فلما أفاقت، قالوا لها: ماذا رأيت؟ قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار، أمامها رجال يقودونها فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فلم تدع من عاد أحدا إلا أهلكته. واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبه ومن معه، من

<<  <  ج: ص:  >  >>