للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما شرعت بتحقيق الدمية حامت في ذهني مشكلة، هي: أأشتغل بالنقد والتحقيق؟ وهل هو بمستوى التأليف؟ أم أنه أصعب في العمل؟ وهل ينظر اليه من الناحية العلمية بمنظار التقدير والحفل؟ وسرعان ما أخذ الجواب يتساوق لي حتى غدا واضحا.

والواقع أن التحقيق جهد لا يستهان به، إذا قصد صاحبه خدمة العلم والاخلاص له. وقد يأخذ وقتا أطول من التأليف، كما أن خدمة الكتاب القديم، وإلباسه اللّبوس العلميّ الجديد أمر لا يقلّ بحال عن التأليف.

ولا زالت أنظار العلماء تتلفت نحو المحققين وتوليهم الاحترام والتقدير الزائدين.

أما من حيث المردود فالتأليف الجيد يعادل التحقيق الجيد.

وقد لا حظت عددا من الأدباء يعزفون عن التحقيق استصعابا للعمل الدقيق والدأب المتواصل والكشف المضني، كما وجدت عددا آخر يتهرب منه لاعتقاده أنّ التأليف أولى ... وكلاهما في نظري مقصّر. غير أن الحق الذي لا مندوحة عنه أن هذه السنين الطويلة بلياليها، التي عكفت بها على اخراج هذا الكتاب، أشعرتني في خاتمة المطاف بقيمة عملي الذي أدّيته ولاء للعربية.

ولقد أحببت أن أعود الى لسان العرب لأرى حقيقة معنى الاسم الذي وضعه الباخرزي لكتابه، فرأيت أن معنى «الدمية» هو الصنم، وقيل هي الصورة المنقّشة، ويكنى بالدمية عن المرأة كذلك، وأن «العصرة» :

الملجأ والمنجاة، وعصر بالشيء واعتصر به: لجأ اليه ومنه قوله تعالى «يغاث الناس وفيه يعصرون» أي ينجون من البلاء «١» . فيكون المعنى «غانية القصر، وملجأ أهل العصر» . وأحسب أنّه تطلّع الى المعنى الظاهر عندما وضع عنوان كتابه، وهو الذي يتبادر الى الذهن، وهو: عروس القصر (بين كتب الأدب) ونخبة أهل العصر (الذين عاصروه) .

وعانيت أكثر ما عانيت، بعد مسألة التحقيق، مسألة كشف الأعلام.

فقد جمعت الدمية بالاضافة الى ٥٣٠ شاعرا عشرات، بل مئات، من الأسماء المبثوثة عبر النصوص وفي تضاعيف التراجم. فحاولت، ما أمكن، البحث عنها

<<  <  ج: ص:  >  >>